
ليست مجرد عالمة مصرية بل كانت رمزًا للعلم والإرادة والوطنية، عازفة عود، حافظة لكتاب الله، وأول معيدة في كلية العلوم بجامعة القاهرة، إنها سميرة موسى، عالمة الذرة التي كادت أن تغيّر وجه التاريخ لو أمهلها القدر، كانت تحلم بعصر نووي مصري، حيث تتساوى فيه الأمم ويُرفع عن العرب ستار التخلف والهيمنة، لكن يد الغدر امتدت إليها، لتغتال حلمًا علميًا وإنسانيًا كان في طريقه للولادة.
طفولة متميزة ونبوغ مبكر:
وُلدت سميرة موسى عام 1917 في قرية سنبو الكبرى بمحافظة الغربية. نشأت في بيئة تهتم بالعلم والثقافة والدين، فحفظت القرآن الكريم صغيرًا، ولفتت الأنظار بذكائها وتفوقها الدراسي، حتى التحقت بكلية العلوم في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا)، لتصبح أول معيدة بها بعد تخرجها عام 1939.
عالمة من طراز فريد
تخصصت سميرة في علوم الذرة، وكان شغفها الرئيسي هو “تسخير الذرة لخدمة الإنسان”، حصلت على درجة الدكتوراه في الإشعاع الذري من بريطانيا، ثم سافرت في بعثة علمية إلى الولايات المتحدة، حيث أبهرت العلماء بأبحاثها في استخدام الذرة لأغراض سلمية، وتمكنت من الوصول إلى معادلة علمية قد تسمح بصناعة قنبلة نووية باستخدام النحاس، مادة رخيصة ومتوفرّة.
الحلم النووي المصري
كانت سميرة تؤمن أن العلم لا يعرف حدودًا، وأنه من حق الدول النامية أن تمتلك طاقة نووية سلمية تحقق التقدم الصناعي والطبي والزراعي، كانت على وشك بدء مشروع مصري طموح للطاقة النووية عام 1952، ورفضت كل الإغراءات الأمريكية بالبقاء، بل كتبت لوالدها تؤكد عودتها القريبة لتبدأ تنفيذ حلمها من معمل في محافظة الجيزة.
نهاية مأساوية لحلم كبير
لكن الحلم انتهى فجأة. بعد زيارتها لأحد المفاعلات النووية في كاليفورنيا، وبينما كانت في طريق العودة، اصطدمت بها شاحنة ضخمة “لوري” بشكل مريب، فانقلبت سيارتها وسقطت من فوق منحدر جبلي، لتلقى حتفها على الفور. كانت تبلغ من العمر 35 عامًا فقط.
اتهامات وريبة
القصة لم تمرّ كحادث عادي، فقد أشار كثيرون بأصابع الاتهام إلى راقية إبراهيم، الفنانة المصرية التي كانت تربطها علاقة شخصية بسميرة، والتي ثبت لاحقًا ارتباطها بالدوائر الصهيونية. وتداولت الروايات أن راقية لعبت دورًا في تسريب أبحاث سميرة أو استدراجها، ليُفتح باب التصفية الجسدية باسم “حادث سير”.
إرث خالد رغم الغياب
رغم صغر سنها، إلا أن سميرة موسى تركت بصمة كبيرة في مجال العلوم النووية، وكان طموحها يتجاوز حدود المختبر، كانت ترى في العلم أداة للعدل والكرامة، وسلاحًا للمساواة بين الشعوب. لقد أرادت أن تجعل من مصر دولة رائدة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وسعت أن يكون العلم ملكًا للجميع، لا أداة احتكار وسيطرة.
قصة سميرة موسى ليست مجرد سيرة ذاتية لعالمة نادرة، بل هي قصة أملٍ غُدر به، ومشروعٍ وطني أُجهض في مهده، لكنها أيضًا قصة امرأة مصرية استثنائية، جمعت بين الإيمان والفن والعلم، وتركت لنا إرثًا من التحدي والعزيمة، ورسالة بأن الوطن لا يُبنى إلا بعقول أبنائه، رحلت سميرة، لكن حلمها ما زال حيًا، ينتظر من يواصله.