أخبار العالم

ميليشيات «الكماليون» تعيد إطلاق ثالوث الإرهاب التخريبى

ميليشيات «الكماليون» تعيد إطلاق ثالوث الإرهاب التخريبى

رغم مرور أكثر من ١٢ عامًا على سقوط جماعة الإخوان الإرهابية، وانكشاف خطابها السياسى والتنظيمى أمام المجتمعات، يطل من بين رماد الهزيمة تيار جديد من داخل الجماعة، يطلق على نفسه «تيار التغيير»، محاولًا إعادة تقديم نفسه كخيار صدامى مع الدولة، وتبنى أفكار قائدهم الإرهابى محمد كمال.

ورغم وجه هذا التيار الدموى وأدبياته الصدامية، فإنه لا ينفصل عن جذر الجماعة التقليدى، ولا عن منظومتها الفكرية ذات الطابع التمكينى الاستعلائى، وهذا ما أكده البيان الصادر أمس الأول، عن المكتب العام للإخوان، الذراع التعبوية لـ«تيار التغيير»، تحت عنوان «رؤيتنا».

ويؤكد البيان بوضوح أن الجماعة تسعى إلى إعادة بناء تنظيمها على أسس ثلاثية: التمكين السياسى، والاختراق المجتمعى، والتحضير المرحلى لمواجهة عنيفة مع الدولة.

منذ اللحظة الأولى لتحليل مفردات ومضمون البيان، سنجد أننا أمام مشروع قديم فى ثوب جديد، ويعتمد على استدعاء لمنظومة «الأستاذية» و«الاستخلاف»، بديلًا عن «الخلافة»، واستلهام لخطاب «الفرقة الناجية»، وتهيئة لما يمكن وصفه بـ«الهيمنة الناعمة» تمهيدًا لصراع محتمل.

محمد منتصر «المحرك السرى».. و5 منطلقات فكرية تحدد كيفية اختراق المجتمع

يتزعم تيار التغيير شخصية تنظيمية تُعرف بالاسم الحركى «محمد منتصر»، وهو المتحدث الإعلامى السابق باسم «المكتب العام» للإخوان- الكيان الموازى الذى انشق عن جناح محمود عزت عقب فض اعتصام «رابعة» فى ١٤ أغسطس ٢٠١٣، ورغم أن «منتصر» ليس وجهًا إعلاميًا معروفًا على نطاق واسع، فإنه يُعد العقل المفكر والمنظّر الرئيسى لهذا التيار.

وتنقل «منتصر» خلال السنوات الماضية بين عدة دول أبرزها تركيا وقطر وبريطانيا، وعمل فى الظل لتوجيه الخطاب التنظيمى الجديد، وصياغة وثائق التيار، والإشراف على بناء الهياكل الرقمية البديلة.

ويحظى محمد منتصر بدعم من مجموعة من الكوادر الشابة والناشطين الإلكترونيين، ويُعتبر قائدًا لمرحلة «ما بعد الهزيمة»، يحاول بث خطاب تعبوى جديد يراهن على المدى البعيد والجيل الرقمى الصاعد وتجنيده للقيام بعمليات إرهابية.

البيان الصادر تحت عنوان «رؤيتنا»، الذى نُشر عبر الصفحة الرسمية لـ«المكتب العام»، على مواقع التواصل الاجتماعى، ينقسم إلى ٥ منطلقات فكرية وتنظيمية تكشف عن جوهر ما يطرحه «تيار التغيير».

أول المنطلقات هى المنطلق العقدى، ثم المنطلق الحضارى الذى يستدعى مفهوم «الأستاذية» الذى أسسه حسن البنا، وهو مصطلح يحمل استعلاءً فكريًا، وسعيًا للهيمنة لا للتعايش، والمنطلق التاريخى، الذى يعتبر اللحظة الراهنة مفصلية، مع إشارة إلى ضرورة «تفكيك منظومة التبعية»، فى إحالة غير مباشرة إلى الأنظمة الحاكمة.

وكذلك المنطلق السننى، الذى يتبنى مفاهيم الصراع باعتبارها سننًا كونية، ما يُشرعن المواجهة السياسية وربما المسلحة مستقبلًا، والمنطلق الفكرى الذى يصر على مسئولية الجماعة عن «إقامة الدولة»، وقيادة «مشروع الأمة».

لم يكن مصطلح «التمكين» عابرًا فى «أدبيات الإخوان»، بل تعتبرها الجماعة عقيدة تنظيمية تأسست عليها أفكارها منذ أربعينيات القرن الماضى، ويُعاد استحضارها اليوم فى خطاب تيار التغيير كمحور أساسى لإعادة صياغة المشروع.

ويكشف البيان عن أن الإخوان لا يزالون يحلمون بدور قيادى على مستوى الحكم، رغم سقوطهم المدوى فى مصر وفشلهم الذريع خلال عامهم الوحيد فى السلطة، ولا يُخفى التيار رغبته فى السلطة، بل يعتبر أن ما جرى بعد ٢٠١٣ ليس نهاية، وإنما «تحول مرحلى» ضمن مسار طويل الأمد لإعادة البناء.

والأنكى من ذلك، أن البيان لا يعترف بالدولة المدنية، وتداول السلطة، وإنما يطرح تصورًا أقرب للحق الإلهى، حيث الجماعة وحدها تمتلك الشرعية «السننية» للحكم.

واعترف «تيار التغيير» عبر بيانه، بأن الجماعة الآن فى «مرحلة الجهاد التى لا مهادنة فيها»، وهى عبارة تستحضر مرحلة «الكمون التنظيمى» الذى سبق موجات عنف ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى.

وإذا كان جناح محمود عزت يتبنى تكتيكات حركية مباشرة، فإن تيار التغيير يطرح خطابًا صداميًا يرتكز على مفردات «الوعى»، و«النهوض»، و«استعادة الريادة».

لكن هذه المفردات ذات دلالات أيديولوجية صلبة، فـ«الوعى» ليس وعيًا نقديًا أو تنويريًا، بل وعى تعبوى لإعادة إنتاج أفكار الجماعة فى المدارس والجامعات، و«استنهاض الشعوب» لا يعنى تمكينها من الديمقراطية، بل تعبئتها ضد الأنظمة القائمة، باعتبارها «امتدادًا للتبعية»، على حد تعبير البيان.

خداع الشعوب بأن سقوط الجماعة مجرد «سُنة كونية» والصدام مع الدولة «واجب شرعى»

لعل أخطر ما ورد فى البيان هو إعادة إحياء عقيدة «الفرقة الناجية»، عبر التأكيد الضمنى على أن الإخوان هم «الطليعة المؤمنة»، وهم وحدهم القادرون على «تفسير الإسلام» وقيادة الأمة، وهذه الفكرة تؤسس لاحتكار الحقيقة الدينية، ومن ثم السياسية، وتُفرغ أى تعددية من مضمونها.

وتقوم هذه العقيدة على ٣ مسلمات، وهى أن الإخوان هم وحدهم «الناجون»، والنظام القائم كافر أو فاسد لعدم تطبيقه «شرع الله» كما تراه الجماعة، والصدام مع الدولة مشروع بل واجب شرعى.

وهذه ليست أطروحات فكرية معزولة، بل كانت المبرر الأيديولوجى لعمليات الاغتيال والعنف التى مارستها الجماعة أو أجنحتها على مدى عقود.

ولا يقتصر بيان التيار على مصر، بل يُقدّم نفسه كمشروع «لإحياء الأمة الإسلامية»، فى صيغة تتجاوز الأوطان، وتتقاطع مع مشاريع عابرة للدولة الوطنية، وتظهر بعض مظاهر هذا المشروع فى دعم حركات التمرّد والفوضى فى دول مثل السودان وتونس، والتنسيق مع جماعات دينية ومسلحة تُقدَّم كـ«قوى تغيير»، والتغلغل الإعلامى والأكاديمى عبر منصات مموّلة من الجماعة فى تركيا وبريطانيا وقطر.

وأهم ما أشار إليه البيان، أنه لم يعُد يعتمد على الوسائل التقليدية مثل المساجد، والنقابات، والأسر الطلابية، بل انتقل إلى الرقمنة، ويستخدم فى ذلك أدوات معاصرة تتناسب مع تجنيد الشباب، منها فيديوهات قصيرة بروح دينية وعاطفية، ومجموعات مغلقة على منصات التواصل الاجتماعى تُدرّس فكر سيد قطب وحسن البنا بلغة مخففة، والاستهداف النفسى لطلاب الجامعات واللاجئين والمهاجرين بوصفهم الفئة الأكثر هشاشة.

وهذه الأدوات لا تهدف فقط إلى كسب التعاطف، بل إلى إنشاء «جيل رقمى مؤدلج» لا يُظهر انتماءه علنًا، ما يصعّب على أجهزة الدولة تتبعه أو مواجهته.

ولم يتضمن البيان أى نقد ذاتى حقيقى أو اعتراف بالخطايا الكبرى، فلم يعتذروا عن فشل التجربة فى الحكم، ولم يتراجعوا عن هيمنة التنظيم السرى أو الطاعة العمياء، ولم يراجعوا عنف الجماعة أو علاقتها بجماعات الإرهاب، معتبرًا سقوط الجماعة حادثة عابرة فى مسار «سننى»، يُمهّد لمرحلة جديدة من «الصدام».

وأعاد البيان تدوير الخطاب القديم للجماعة، فمشروع «الأستاذية» لم يُستبدل، بل أعيد تسويقه كـ«قيادة حضارية»، والجهاد لم يُلغَ، بل أُعيد تقديمه كـ«تدافع سننى»، والعمليات الإرهابية لم ترفض، بل أصبحت بأساليب أكثر خطورة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى