القاهرة تصفع مخطط تجميد أبي أحمد لأزمة السد بسياسة رفض الحل البديل
القاهرة تصفع مخطط تجميد أبي أحمد لأزمة السد بسياسة رفض الحل البديل
تتجه تداعيات أزمة السد نحو وضع إطار شامل يقنن من قولبة استراتيجية ملف السد باتجاه خارطة تفاوضية ذات جدوى،بدلا من تلك العراقيل التى تدشنها أديس أبابا بنطاق مسار الحل منذ وقت طويل،استطاعت أن تستفيد منها فعندما كانت تضع يدها للتفاوض مع دولتى المصب كانت يدها الاخرى تبنى السد ،مما أوضح حقيقة تلك السياسة الإثيوبية التى اتخذت من العملية التفاوضية مطية لحماية خروقاتها التى تنتهجها عبر مراحل استكمال السد، والتى جعلت القاهرة تسير باتجاه موازى عبر دبلوماسيتها التى ثمنت من قيمة أمنها المائى ضد أدوات التعنت الإثيوبى التى حاولت فرضها من خلال مشروع السد،وكما قلنا مسبقا أن إثيوبيا طمحت كثيرا فى تغيير مفاهيم تلك الأزمة إلى نزاع عسكرى ولكنها لم تنجح،مما أربك حسابات إدارة أبي أحمد بمنح الصفة الاستثمارية المطلقة لإسرائيل بهذا السد، التى طلت برأسها منذ شهور قليلة عندما أطلقت تصريحات بشأن فرضية وجود سد النهضة كأمر واقع لا محالة،قبل أن تقوم مصر بقطع رأس الحية بقوة سياساتها الخارجية وعلاقاتها الدولية التى أثبتت فاعليتها أكثر بكثير من الكيان الصهيونى.
ابتعاد إسرائيل عن أزمة السد ليس مناطه اعتزال سياسة التدخل الخارجى بشئون الأمن القومى المصرى،الذى يتشابك بقوة مع أحلام قيام دولة الكيان الصهيونى جغرافيا وسياسيا،والتى تجبت بالمقولة الشهيرة من النيل إلى الفرات،التى لا يمكن انفصال ممارساتها عن النظرية الدينية لهذا الكيان،ولكن جاء هذا الابتعاد كنوع من ترتيب الأوراق و الأجندة الخارجية لإسرائيل لتنطلق نحو مشروعات التطبيع مع الدول العربية خوفا من إحباطها حال استمرار التدخل ضد مقتضيات الأمن القومى للدولة المصرية عبر أزمة السد، مما يدلل على انسحاب اليمين المتطرف نحو تحقيق مكاسب من شأنها استبقاء تأييد يهود الداخل والخارج بعد تأجيل مشروع ضم القدس،فى ظل ركود سياسى للحكومة الإسرائيلية على إثر فشل تعاملها مع جائحة كورونا ،فعودة إسرائيل إلى إثارة استفزازاتها مرة أخرى تجاه أزمة السد ليست بعيدة،ولكن إقرار القاهرة لسياسة الحل النهائى لتلك القضية قد يسلبها تلك الفرصة لا محالة.
إقرار الدولة المصرية لسياسة الحل النهائى للأزمة جاءت بنعومة بالغة عبر أنياب الدبلوماسية التى قضمت على سقف طموحات إدارة أبي أحمد،التى تخيلت أن صرحها الذى تسعى لتشيده سوف يمكنها من توريط الدولة المصرية بحل عسكرى،ولكن نجاح القاهرة فى تغيير منهجية هذا التعاطى الإثيوبى مع ملف السد الذى استخدم مصطلحات التنمية كنافذة للفت نظر المجتمع الدولى إليها،مكنت وبقوة السياسة الخارجية المصرية من تغييره ببناء نموذجى لنفوذ حل الأزمة عبر اتفاق يضمن حقوق الدول الثلاث،مما جعل المجتمع الدولى ينظر إلى الدولة المصرية كرعاية لاستقرار منطقة حوض النيل عبر منهجيتها للحل،تلك المنطقة التى تتداخل كثير من المصالح الدولية بها والتى تهم القوى الفاعلة الدولية استتباب الأمن بها،فانضمام السودان الأخير الى دعم الرؤية المصرية أثرى كثيرا خارطة الخط الأحمر،والذى لم يكن من قبيل المصادفة ولكن جاء إثر جهود مصرية أتت ثمارها باجتماع الرئيس السيسى الأخير مع الوفد السودانى بالقاهرة.
حيث أعلن المتحدث باسم الحكومة السودانية وزير الإعلام فيصل محمد صالح أن السودان لن يقبل بفرض سياسة الأمر الواقع بشأن أزمة السد، مؤكدا أن السودان يمتلك خيارات آخرى كثيرة للرد حال حدوث ذلك،مضيفا أن الوساطة الأفريقية لم تعد مجدية،مطالبا بتغيير منهجية الوساطة أو إفساح المجال لدور أكبر لوساطات دولية ،محثا على ضرورة إقرار اتفاق يحمى حقوق السودان، والجدير بالذكر أن السودان قد قدم فى وقت سابق اشتراطات جدية إلى دولة جنوب أفريقيا لإنجاح المفاوضات بين البلدان الثلاث،وذلك بعد أن دخلت تلك المفاوضات ما يعرف بالدائرة المفرغة.ومن هذا المنطلق يمكننا أن ننطلق نحو تقهقر للتحركات الإثيوبية التى كانت تستهدف إحداث خروقات باتجاه أمن دول المصب المائى،وذلك بقوة قولبة لاستراتيجية أمنية تخدم مصالحها والتى جاءت متسقة كلية من منهجية القاهرة للحل،مما وضع حجر عثرة أمام إدارة أبي أحمد سياسيا وأمنيا للحيلولة دون تنفيد مساعيها أحادية الجانب التى لا ترى سوى مصالحها فقط،مما يخضع نظريات الفهم لمقررات الدبلوماسية المصرية التى نجحت فى وضع حجر الأساس لحل الأزمة بمسار السهل الممتنع ،الذى سعى بنعومة شديدة مثل مشرط الجراح الذى حاصر تغلغل مرض لعين بجسد ضعيف،مما خط نظريات مواجهة جديدة تبتعد عن تلك النظريات التصادمية التى تسبب ضجيجا هائلا فقط،فتحرك القاهرة نحو المجتمع الدولى لتسويق مرجعية حلها بما يتوافق مع نظرية الأمن لدول حوض النيل، أفسح بدوره المجال أمام السودان لتسير على تلك الخطى والتى تجلت مؤخرا بعقد وزير الرى ياسر عباس اجتماعا مع سفراء عدة دول منها فرنسا وروسيا وإيطاليا وكذلك أمريكا،مما كان مؤشرا عن استقطاب الظهير الدولى الذى حاولت إثيوبيا الانقلاب عليه بعد رفض التوقيع على مسودة الاتفاق الذى صاغته أمريكا بالتعاون مع البنك الدولى،مما هيئ فرص الفشل التى اعترت جولات التفاوض برعاية الإتحاد الأفريقى،والتى استفادت منها إثيوبيا كثيرا بمحاولاتها لتصدير صورة قاتمة للجانب السودانى والذى أثرت بشكل التفاوض،بسبب انسحاب الخرطوم من تلك المفاوضات، وذلك قبل أن تعطى الدولة المصرية قبلة الحياه لشروط الحل وسط تعتيم إثيوبى برداء التنمية،مما جعل سياسات السودان تتدفق كالسيل العرم نحو إعلانها تبنى الرؤية المصرية دون زعزعة موقفها وبوجه خاص عقب إعلان أديس أبابا عن نيتها الملء الثانى،مما أفسد تلك التطمينات الجوفاء التى تشدقت بها إدارة أبي أحمد بحق مصالح الجانب السودانى.فساهم ذلك بشكل كبير للغاية باتجاه تحطيم سياسة أبي أحمد الذى استطاع أن يتسول من خلالها الكثير من التعاطف الذى جعل حلول الأزمة مرتهنة بضعف الإتحاد الأفريقي،مما جعل تصعيد أزمة السد لمجلس الأمن أصبح قريبا للغاية حال ضياع الفرصة الأخيرة من قبل إثيوبيا بتزعم الكونغو لرئاسة الإتحاد الأفريقى،والتى أعلنت احتراما لحقوق دولتى المصب فى وقت سابق،مما يجعل من تلك الحقوق خط أحمر والذى تعد بمثابة غصة فى حلق أبي أحمد تمنعه من محاولة الاقتراب منها عبر هذا السد، مما ستفرض عليه قاعدة القبول باشتراطات حل تحمى مصر والسودان قانونيا وبعدالة،سواء عن طريق مجلس الأمن أو رئاسة الكونغو للإتحاد الأفريقى حتى لا يصبح سد النهضة تهديد مضاد لإثيوبيا،والذى سوف يقوض من فكرة الحلول البديلة لحقوق مصر التاريخية أو الحلول البديلة لمرجعية الاتفاق النهائى الملزم لأطراف الأزمة الثلاث ومن يأتى بعدهم،مما أصاب مخطط أبي أحمد لتجميد حلول أزمة السد بحراك ممتد وفعال على الصعيد الإقليمى بوجه عام والصعيد الدولى بوجه خاص.