اعداد/جمال حلمي
بالأمس كتبت مقاله عن نية إسرائيل في فصل الفلسطينيين المقدسيين عن فلسطين غزه بإغرائهم بالجنسية الإسرائيلية وإيجاد وظائف وسبل معايشه أفضل من فلسطينيين غزه والضفة واليكم الدليل علي صحة كلامي بعد أن صرح معهد الدراسات الأمنية القومي في إسرائيل تقرير يوضح فيه استقرار وهدوء الوضع الأمني في شرقي القدس بالرغم من المعركة مع حماس.
المصدر: معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي
المؤلف :دريك ليف
صرح معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بأنه لن نبالغ في القول إنه لم تُسجَّل حوادث تحريض، أو “عنف”، أو “إرهاب”، في شرقي القدس في الفترة التي سبقت بدء الحرب. فعلى سبيل المثال، في الفترة 2015-2022، شهدت المدينة نحو 14 هجوماً “إرهابياً” في كل عام، ومع ذلك، ومن دون التقليل من شأن هذه الأرقام، وفي أشارة إلي عدد كبير من المصادر المختلفة إلى انخفاض في العدائية تجاه إسرائيل في القدس الشرقية. ظهر هذا الأمر بصورة مستمرة في الطيف السياسي المقدسي كله، على الرغم من أن حكومات يمينية كانت تقود البلد خلال هذه الفترة.
وعلى سبيل المثال. أظهرت دراسة استقصائية خاصة في القدس أجراها المعهد الفلسطيني لأبحاث السياسات والاستطلاعات في نوفمبر 2022، أن هناك زيادة بنسبة 13% في الطلب على الجنسية الإسرائيلية في القدس في الفترة 2010-2022. مثال آخر هو استطلاع أجراه ديفيد بولوك من معهد واشنطن، وشمل 300 فلسطيني من المدينة، أظهر أن 48% من سكان المدينة الفلسطينيين قالوا إنه إذا طُلب منهم الاختيار، فإنهم يفضلون أن يكونوا مواطنين في إسرائيل، لا في دولة فلسطينية.
وللمقارنة، خلال الفترة 2017-2020، كان الرقم 20% فقط. والاستطلاع نفسه أظهر أيضاً تفضيل الفلسطينيين المقدسيين “التركيز على الشؤون العملية” (62%) و”معارضة التطرف الإسلامي” (62%). هذه التوجهات عززتها معطيات أُخرى أولية لم تُظهر فقط ارتفاعاً في أعداد الطلبات على الجنسيات الإسرائيلية لدى هؤلاء، بل أيضاً ارتفاعاً في عدد الطلاب الفلسطينيين المقدسيين المسجلين في دورات تحضيرية في الجامعات الإسرائيلية وهو رقم أكبر كثيراً مما كان متوقعاً.
القدس الشرقية بعد الحرب
في ضوء ردة الفعل الإسرائيلية في قطاع غزة على هجوم “حماس”، ولاحقاً، على التدابير الأمنية المشددة المستخدمة في شرقي القدس ضد السكان الفلسطينيين، كان من المنطقي الافتراض أن التوجهات المذكورة سابقاً ستتغير، وسيتصاعد الغضب والعنف ضد الإسرائيليين، وذلك في ضوء ما حدث في سنة 2014 بعد عملية “الجرف الصامد”، وفي سنة 2015، بعد تصاعُد التوترات جرّاء زيارة اليهود إلى حرم المسجد الأقصى، وفي سنة 2017، في أعقاب إغلاق مداخل المسجد الأقصى.
وبحسب استطلاع رأي أجراه المعهد الفلسطيني للدراسات والاستطلاعات في الضفة الغربية وغزة في نهاية سنة 2023، لقد تضاعف تأييد “حماس” 3 مرات، مقارنةً بما كان سائداً قبل ثلاثة أشهر من ذلك الحين، كما أن تأييد الكفاح المسلح ضد إسرائيل ارتفع 10%، في حين أجاب 60% بأن “هذه هي الوسيلة الأفضل لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي”. وبحسب الاستطلاع نفسه، فإن هذه النسبة ارتفعت في الضفة الغربية، وباتت تقترب من 70%.
في وقت لم يتم بعد نشر معطيات تركز بصورة خاصة على شرقي القدس، ومواقف السكان الفلسطينيين هناك.
على الرغم من هذه التوقعات، ميدانياً على الأقل، فإن شرقي القدس يتصرف بصورة تتعارض مع التوجه السائد، على ما يبدو. هذا لا يعني أنه لن تُشن هناك هجمات عرضية ضد إسرائيليين، إذ جرى كثير من عمليات إطلاق النار، منها عملية في 30/11 في إحدى محطات الباص في المدينة. لكن بصورة عامة، لم تندلع مواجهات كبيرة في المدينة، أو تظاهرات عنيفة ضمت عدداً كبيراً من المشاركين.
لماذا تم الحفاظ على الهدوء في شرقي القدس؟
أولاً: عززت إسرائيل حضورها الأمني هناك، وعلى الرغم من وجود كثير من الادعاءات بشأن الإفراط في الهجمات الإسرائيلية والاعتقالات غير المبررة، فإن هناك احتمالاً كبيراً بأن يكون الوجود الأمني الذي ازداد في المدينة، قد نجح في إحباط الهجمات “الإرهابية”.
ثانياً، على خلفية القتال الدائر في غزة، وفي ضوء احتدام الصراع بين إسرائيل وحزب الله في الشمال، ظلت القدس موضوعاً أقل جاذبيةً للتغطية الإعلامية. هذا لا يعني أن المدينة لم تشهد أي حوادث.
فمثلاً، في كل يوم جمعة تجري مواجهات غير عنيفة في حي وادي الجوز المقدسي، في أعقاب القرار الإسرائيلي بشأن إغلاق أبواب المسجد الأقصى أمام الشبان الفلسطينيين. كما تُنفّذ إضرابات، وتقوم الجهات الإسرائيلية بهدم المنازل، وهناك نسبة مرتفعة من العنف في المدينة.
ثالثاً: من المرجح أن سكان القدس الشرقية، حالهم كحال بقية المواطنين العرب في إسرائيل، يشعرون بمشاعر متضاربة في ضوء الأحداث التي ارتكبتها “حماس” في السابع من أكتوبر، وهم بحاجة إلى وقت لاستيعاب الأحداث والاستجابة لها. وعلى الرغم من أنه لا شك في معارضتهم الحرب في غزة، فإنهم قادرون على الاعتراف بلا إنسانية الأفعال التي قامت بها “حماس” في السابع من أكتوبر.
لكن أي محاولة للتعبير عن تفهُّمهم، أو تعاطُفهم، إزاء الإسرائيليين، أو استنكار أفعال “حماس”، ستُعتبر تخلياً عن النضال الوطني. وفي ضوء ذلك، من المقبول الافتراض أن كثيرين يختارون الصمت.
النقطة الأخيرة والأهم: القدس مدينة مختلطة بالمعنى العميق للكلمة. إذ إن الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية مندمجون بقوة في نسيج الحياة في المدينة.
ويعمل ويتعلم كثيرون في شركات ومدارس وجامعات في المدينة، وكثيرون منهم معنيون بالحفاظ على مصالحهم الشخصية ومصالح عائلاتهم، وهم يعلمون بأن أي تحريض، وخصوصاً في مثل هذه الفترة، قد يؤدي إلى القضاء التام على حياتهم.
ولذا، فإن كثيرين يفضلون الحفاظ على الصمت. وعلى خلفية إسكات التعبير عن الغضب والإحباط والعنف، من المثير أن نشير إلى أن شرقي القدس مرّ بنوع من “اليقظة المجتمعية” التي تتميز بتعزز النشاط التطوعي المجتمعي.
ما الذي يمكن توقُّعه؟
بما أن حياة العديد من الفلسطينيين في شرقي القدس متشابكة بقوة مع الشطر الغربي من المدينة، فمن غير المرجح أن نشهد انتفاضة وطنية واسعة النطاق هناك. يستند هذا التقدير إلى تحسُّن مشاعر سكان شرقي القدس تجاه إسرائيل على مدار الأعوام الماضية، والمعضلة الأخلاقية التي لا بد من أنهم يعيشونها، بعد ما حدث في السابع من أكتوبر. لا أعتزم هنا القول إننا لن نشهد مزيداً من الهجمات “الإرهابية” الفردية، ضد الإسرائيليين في شرقي القدس، أو بواسطة منفّذين مقدسيين. ومع ذلك، ما من شك في أن الصور ومقاطع الفيديو التي تخرج من غزة تحتوي على مشاهد صعبة. وكما رأينا في السابق، في أكثر من فرصة، ابتداءً من اندلاع الحرب، يمكننا أن نفترض أن شعوراً بالحماسة والقناعة بالمشاركة في الهجمات ضد الإسرائيليين سيبقى مسيطراً على المراهقين في شرقي القدس.
في ظل هذه الظروف، وبصورة خاصة في ضوء احتمال تنفيذ هجمات في شرقي القدس، على إسرائيل الحفاظ على حضورها الأمني المعزز هناك، والمتابعة الاستخباراتية الشديدة. فاندلاع مواجهات عنيفة بصورة واسعة النطاق، وخصوصاً في محيط المسجد الأقصى، سيمثل بُعداً جديداً سيئاً للحرب الدائرة في غزة، والتي قد تثير أعمال شغب في أوساط المواطنين العرب في إسرائيل وربما في أوساط العرب في الدول العربية الأُخرى.