
تُعتبر الإدارة المحلية طبقًا للدستور المصرى الذى أُقر عام ٢٠١٤ وتعديلاته فى ٢٠١٩ الفرع الثالث من السلطة التنفيذية بعد رئيس الجمهورية والحكومة، وقد أفرد الدستور فصلًا كاملًا لتنظيم آلية تقسيم الدولة إلى وحدات إدارية منها المحافظات والمدن والقرى، على أن يكون لكل وحدة إدارية موازنة مستقلة، وألزم البرلمان بإصدار قانون يتضمن شروط وطريقة تعيين أو انتخاب المحافظين ورؤساء الوحدات الإدارية المحلية الأخرى واختصاصاتهم وطريقة الانتخاب لكل وحدة محلية خلال ٥ سنوات، والتى بدأت فى يناير ٢٠١٤ وانتهت بالفعل فى يناير ٢٠١٩…
وتُعتبر الإدارة المحلية بمثابة السلطة الشعبية المنتخبة والوسيط بين السلطة الحاكمة والمواطنين، وهى التى تعمل على تقديم الخدمات المختلفة للمواطن، والرقابة على السلطة المحلية الحاكمة، بالإضافة إلى العمل على الارتقاء بخدمات التعليم والصحة والإسكان والنقل ورغيف الخبز وغيرها من الخدمات والاحتياجات، كما أنها تمارس صلاحياتها فى وضع الخطط مع السلطة التنفيذية فى المحافظة، وتفعيل وتنفيذ الخطط.
وللأسف الشديد، وبغير تفسير واضح، توقفت الانتخابات المحلية منذ أكثر من ١٥ عامًا، مما أدى إلى تردى الخدمات فى المحافظات من جهة، واستشراء الفساد والفوضى من جهة أخرى، مما أدى إلى تردى الأوضاع المعيشية والاجتماعية للمواطنين. وبالطبع فإن الإصرار على التأجيل معناه المزيد من التردى فى كافة أنحاء الجمهورية، فى حين أن مصر تُعتبر من أوائل الدول التى اعتمدت نظام الإدارة المحلية، وأنشأته لأول مرة تحت مسمى (مجالس المديريات) كفروع للإدارة المركزية فى جميع أنحاء البلاد، بموجب (القانون النظامى المصري) الذى أصدره الخديوى توفيق فى عام ١٨٨٣، ثم جاء دستور ١٩٢٣ معترفًا بنظام الإدارة المحلية.
ونتذكر الآن أن المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء المصرى الراحل، كان قد أصدر تعليمات بضرورة الإسراع فى الانتهاء من مشروع قانون الإدارة المحلية، تمهيدًا لإجراء الانتخابات قبل نهاية عام ٢٠١٦!!
ويثور الآن السؤال: ما السبب وراء هذا التأخير شبه المتعمد لقانون شديد الأهمية للشعب المصرى كله؟ وما حقيقة ما قيل أن من شروط عضوية المجالس المحلية المقترح أن يكون العضو حاصلًا على شهادة إتمام مرحلة التعليم الأساسى على الأقل؟! فى حين أننا فى أمسّ الحاجة إلى الشباب المتعلم والمثقف والملم بمشكلات الوحدة، وعليه القدرة على التواصل مع المواطنين، ولديه أفكار تساهم فى الارتفاع بالمستوى الاجتماعى.
ومن أمثلة الكوارث التى تحدث كثيرًا أمام أعيننا نتيجة هذا التأخير: ظاهرة سقوط المبانى بصورة ملحوظة. فهناك على سبيل المثال أكثر من ٧٠٠٠ عقار فى الإسكندرية فقط مهددة بالسقوط، كما جاء فى دراسة حديثة حول مدينة الإسكندرية. وقد كشف الإحصاء السكانى أن ٢٤٪ من مبانى مصر يحتاج إلى ترميم، وأن نحو ٩٨ ألف مبنى مأهولًا لم يعد يجدى معها الترميم، بل تحتاج إلى إخلاء وهدم، ولا يمكن أن ننتظر أن تسقط جميعها على رؤوس من فيها. ويرجع ذلك إلى العجز المادى، وخلل الأولويات، وتقاعس الأجهزة المسؤولة، ثم الفساد الذى يجد له بيئة خصبة. فكثير من المبانى القديمة لم يعد أصحابها قادرين على صيانتها، كما أن الأجهزة المحلية تتقاعس عن مهمتها فى مراقبة المنشآت ومخالفات البناء، ويتجاهل بعض العاملين فيها تلك المخالفات تحقيقًا لمصالح مادية، وهى ظاهرة خطيرة ولا بد من القضاء عليها.
وللفساد بصمة واضحة؛ فهناك البنايات الجديدة التى تسقط على ملاكها الذين اشتروها بأسعار غالية، نتيجة إهمال المقاول الذى يخالف الارتفاعات المحددة، أو يستخدم مواد بناء مغشوشة، أو لا يلجأ للإشراف الهندسى توفيرًا للنفقات، ويحدث كل ذلك فى غيبة تامة للمحليات، أو فى مشاركة معها… أ.. فمتى نفيق؟!.
ثانيًا.. وافق مجلس النواب فى ١١ مايو الماضى على مشروع القانون المقدم من الحكومة بتنظيم إصدار الفتوى الشرعية! وتم رفعه للسيد الرئيس لإصداره لاحقًا…
ونبدأ أولًا بمعنى الفتوى الشرعية: فالحكم الشرعى يختلف عن الحكم الفقهى المسمى بالفتوى، لأن الحكم الشرعى هو خطاب الله الثابت فى النصوص الشرعية المقدسة، أما الفتوى فإنها أثر خطاب الله فى عقل الفقيه وفهمه..
وثانيًا، جاء فى القانون فى مادتيه الثالثة والرابعة أن تُصدر الفتوى من أعضاء معينين بأسمائهم فى هيئة معينة، ودار معينة، ولجنة أوقاف معينة، وهو ما يتعارض مع طبيعة القانون المجردة.
ثالثًا.. نعلم جميعًا مدى اختلاف الأئمة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعى، وأحمد، وكيف غيّر الإمام الشافعى فتاواه العراقية بعد دخوله مصر عام ١٩٩ هجرية…
ورابعًا، قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، لوابصة بن معبد: (البر ما اطمأنت إليه النفس، واستراح إليه القلب، والإثم ما حاك فى النفس، وتردد فى الصدر، وكرهت أن يطلع عليه الناس.. يا وابصة، استفتِ نفسك، استفتِ قلبك، وإن أفتاك الناس وأفتوك).
وأخيرًا، يقول الله تعالى فى كتابه الكريم: (وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا، اقرأ كتابك، كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا).
وتبقى أسئلة حائرة تحتاج إلى تفسير:
لماذا رفض الأزهر الموافقة الأولية على القانون ثم وافق بعد تحديد أسماء بعينها؟.
لماذا لم يعترض وزير الأوقاف قائلًا إن الأزهر الشريف هو القبلة العلمية الأولى التى يُهتدى بها؟.
ماذا كان يعنى وزير الشؤون النيابية بأن مشروع القانون يواجه التطرف فى الفتاوى، وهو يعلم جيدًا أن الرئيس السيسى قد نادى أكثر من مرة بضرورة تجديد الخطاب الدينى، ونحن نرى الآن من يريد احتكار الفتوى لمجموعة واحدة من الشيوخ، فى حين أن إعمال العقل والتفكير فريضة إسلامية، وأن الإسلام يخلو من الوساطة بين المسلم وربه؟.