مصر تضيق الخناق على إثيوبيا لإحباط هروبها من ضغوط حل الأزمة دوليا
مصر تضيق الخناق على إثيوبيا لإحباط هروبها من ضغوط حل الأزمة دوليا
يبدو أن الضغوط المصرية السودانية التى مورست ضد الجانب الإثيوبى بدأت تؤتى ثمارها خلال تلك الأونة،فاستهدفت تلك الضغوط إحداث حالة من تفتيت تلك السياسية الإثيوبية التى تنتهجها بملف السد،والتى فرضت حالة من التعنت على طاولة التفاوض بين الدول الثلاث أدت إلى تعثر محفوف بمخاطر جسيمة لم تكن سوي صورة معاكسة لهذا السد اللعين،الذى أفرز عن نوايا أديس أبابا تجاه وضع سدود حقيقية أمام رؤى الحل الذى تسوقه قوى إقليمية ودولية متعطشة لإنهاء هذا اللغط المثار ولكن دون جدوى،فالدولة المصرية على دراية باصطدام مخططات حلولها للأزمة بهذه الايديولوجيا الرثة التى تنطلق منها إدارة أبي أحمد نحو تلك القضية،مما يهدد معه مصالح القوى الفاعلة بمنطقة القرن الإفريقى والتى بدورها قد تتدخل بتلك الأزمة بشكل أو آخر،بصورة تختلف عن التوصيات و الأطروحات التى تقدم للحل فى كل مرة تواجه فيه تلك المفاوضات الفشل فقط على مستوى الأسباب والنتائج،بعدما لعبت إثيوبيا دورا فى تسييس ذلك الملف عبر ذلك الصدى الذى ظهر جليا بأزمة الحدود مع دولة السودان مؤخرا.؛ تمثل انطلاقة السودان الأخيرة نحو أزمة سد النهضة تشهيرا بسياسات أبي أحمد التى يحاول من خلالها زعزعة نظريات الأمن القومى المائى لدول المصب،وذلك عبر إطلاع الأوروبيين على رؤية الخرطوم للحل والتى ظهرت بذلك الاجتماع الذى عقد بين سفراء الدول الأوروبية وبين الحكومة السودانية مؤخرا ،والتى استهدفت فى حقيقة الأمر إطلاق يد المعسكر الدولى من أجل تكبيل تحركات الجانب الإثيوبى التى يتذرع من خلالها بطموحه وحقوقه التنموية،من أجل الحفاظ على الشق الأمنى القومى لدول المصب بأى اتفاق قد تبرمه الدول الثلاث بشأن ذلك الملف ،فى وقت تتهم فيه إثيوبيا دولتى المصب بعرقلة المفاوضات!!،تلك الأكاذيب التى تختلج السياسة الإثيوبية لن تكون مجدية تجاه هذه الأزمة،وذلك لأن الدولة المصرية التى تبنت الخيار الدبلوماسى لتلك القضية قد رسخت وبقوة العنوان الحقيقى لذلك الصراع عبر تثمين دفاعها عن مشروع السد كونها قضية حياة أو موت،وتجلى ذلك بكلمات الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب التى قال فيها أن المصريين لن يقفوا مكتوفى الأيد،مطالبا الإثيوبيين بأن يفعلوا شيئا جديا حيال ذلك،فى إشارة إلى ضرورة تعاون أبي أحمد لحل الأزمة نزولا على رغبة الدولة المصرية.
تحركات الجانب السودانى الأخيرة جاءت لتبرهن على تبنيها لسياسة الخط الأحمر التى دشنتها مصر تجاه أمنها المائى،بعد أن تخللتها حالة من الأحادية المصيرية فى وقت من الأوقات بدت ملامحه من خلال الانسحاب السودانى من دائرة التفاوض،فمطالبة السودان باتفاق قانونى ملزم يحمى ما يقارب من ٢٠ مليون مواطن سودانى،يعد بمثابة ترجمة صريحة لمكنون المنهجية المصرية للخروج الأمن لكل الأطراف والتى تنادى بها مصر منذ وقت طويل، فسياسة الخط الأحمر التى تجسد إحدى أهم مراحل الذروة الحدثية لفصول أزمة سد النهضة،أدت إلى ارتهان الخطوات الإثيوبية وفقا لقواعد عدم تجاوز منطقة ترسيم حقوق دولتى المصب،مما يجعل عملية الملء الثانى للسد التى أفصحت عنه أديس أبابا فى وقت سابق كإعلان للحرب ،ومن ثم عدم اكتمال الملء الثانى يشكل تحديا حقيقيا لإدارة أبي أحمد على المستوى الشعبى بعد أن لعبت المشاركة الشعبية التمويلية دورا فى بناء هذا السد،كما أن تلك العملية تعد حقل ألغام للمعسكر الدولى حال التراخى دون رادع يزجر إثيوبيا بشكل حقيقي،فكان ذلك نتاجا مثمرا للدبلوماسية المصرية التى استطاعت استقطاب الخرطوم لصفها ضد مخططات إثيوبيا الرامية إلى تقويض مرجعية القاهرة لحلحلة تلك الإشكاليات الجوهرية بتلك القضية.حيث اتهم وزير الرى والطاقة الإثيوبى شيلسى بيكيلى القاهرة والخرطوم بعرقلة مفاوضات سد النهضة التى جرت خلال الفترة الأخيرة،وذلك على خلفية تقارير مثارة بشأن اندلاع حرب على مياه النيل بين البلدان الثلاث،ويضيف بيكيلى أن الحديث عن حرب يعد خطأ فجا لا أساس به من الصحة بينما هى عوامل تستهدف تنمية دول حوض النيل بوجه حق،ويستطرد بيكيلى قائلا أن التوافق الذى حدث بواسطة مقترحات الخبراء الأفارقة مع الجانب المصرى أعقبه انسحابا سودانيا،كما أن التوافق الذى كانت السودان طرفا فيه لم ينجح جراء انسحاب القاهرة منه،يأتى ذلك فى وقت قد أعلنت فيه مصادر مصرية أن القاهرة لن تكون طرفا فى تلك الحرب الكلامية الدائرة الأن منعا لتأجيج الاحتقان وقد ترد بالحجة و المنطق إذا دعت الحاجة ،مضيفة أن أن القاهرة لن تقبل سوى باتفاق نهائى يتضمن مرجعيات التوافق الذى حدث بين الأطراف الثلاث برعاية الولايات المتحدة ،وتستفيض المصادر لتبرز أن الرعاية الدولية لأى اتفاق بين الدول الثلاث يجب أن تشمل الجوانب القانونية الإلزامية.
ومن هذا المنطلق يمكننا أن نثبت فاعلية الدبلوماسية التى تبنتها الدولة المصرية بذلك النزاع المصيرى الذى رسمته قضية سد النهضة،فتلك الاتهامات الجوفاء التى تسوقها إدارة أبي أحمد ضد دولتى المصب تأتى جراء تلك الضربات الدبلوماسية التى مازالت تترك أثرها على جسد إدارة أبي أحمد،مما يعد حجر عثرة تجاه أى تحرك يشوبه الخروج عن النص وفقا لمحددات الخط الأحمر المصرى الذى يحكم سير الخرطوم خلال الفترة الأخيرة،فتهدف إدارة أبي أحمد من خلال تلك حملة الأكاذيب أن تعيد الأمور إلى المربع الأول الذى كانت تجيد إثيوبيا من خلاله فرض مماطلتها،من أجل القدرة على إحداث خروفات تمكنها من الملء الثانى للسد بمقدار ما يقارب من ١٨ مليار متر مكعب كوقود تشغيلى لهذا السد،فى ظل وجود الكونغو كرئيس جديد لدورة الإتحاد الأفريقى بعد إنتهاء رئاسة جنوب أفريقيا التى كانت تفضل مسك العصا من المنتصف،بخلاف دولة الكونغو التى تعلم جيدا أن تلك الاستراتيجية لن تكون ناجعة مع ملف يمت بصلة أو بصلات للأمن القومى المائى برمته.
فحديث المسئول الإثيوبى عن منهجية دولته المنكهة بالتنمية يمثل غرسا قديما لن يجدى نفعا الأن بعدما استطاعتا دولتى المصب إزكاء خطورة هذا السد،وفقا للاعتبارات الفنية والأمنية التى لم تراعيها أديس أبابا،فى وقت صرح فيه هذا المتحدث أن البناء مستمرا بسد النهضة،مما يبرز وجود تحديات حقيقية أمام إدارة أبي أحمد تحاول أن تستدفع شكوك شعبية بشأن استكمال هذا السد،مما يدلل على عدم وجود تحركات بالبنية التحتية قد أشار لها الخبير المائى عباس شراقى فى وقت سابق ،مما يقلل من فرص عملية الملء الثانى الذى قد يشهده السد خلال شهر يوليو أو أغسطس من هذا العام،وهذا قد يترجم لنا هذا التصعيد الخانق من قبل الدولة المصرية ضد الإدارة الإثيوبية لإنهاك تعنتها من أجل بسط سبل حل الأزمة،وفقا لمرتكزات أمنية مائية وليس لتقديرات تفرضها أطروحات و مقترحات دولية فقط،وبهذا يكون ذلك حصارا للسياسة الإثيوبية تجاه هذا الملف، فى وقت تشير فيه تقارير عن وجود خطة إثيوبية تستهدف تدشين سدود آخرى عملاقة خلال السنوات القليلة القادمة ،مما يعد سوطا على رأس أبي أحمد لإيقاظه من جنون السد الذى أصابه.