صعّدت القاهرة لهجة تصريحاتها تجاه إثيوبيا، في أعقاب بيان للأخيرة، جاء رداً على قرار قمة الجامعة العربية يوم الجمعة الماضي الذي اعتبر الأمن المائي لمصر والسودان “جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي العربي”، رافضاً أي عمل يمس بحقوقهما في مياه النيل.
وكانت وزارة الخارجية الإثيوبية قد اعتبرت في بيان الإثنين الماضي “محاولات مصر للضغط على أديس أبابا في ملف سد النهضة عبر الجامعة العربية تعكس عدم حسن نيّتها”.
وأضاف البيان أن “إثيوبيا تعمل وستواصل العمل باحترام مبدأ الاستخدام العادل والمعقول لمياه النيل”. واعتبرت “هذا القرار إهانة للاتحاد الأفريقي والدول الأعضاء فيه، الذين يعملون للتوصل إلى حل تفاوضي ودّي لمسألة سد النهضة”.
من جهتها، اعتبرت الخارجية المصرية أن البيان الإثيوبي “محاولة يائسة للوقيعة بين مصر والدول العربية والأفريقية، من خلال تصوير الدعم العربي لموقف مصر العادل والمسؤول باعتباره خلافاً عربياً أفريقياً”.
وأعربت في بيان عن أسفها لـ”ادعاءات غير حقيقية بأن الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، اتفقت بالفعل خلال المفاوضات على حجم المياه التي سيتم تخزينها وفترة ملء خزان السد، وأن لجوء مصر والسودان لطلب الدعم العربي يُعد انتهاكاً لاتفاق المبادئ”.
وردت الخارجية المصرية على “ادعاء إثيوبيا” بأنها “راعت شواغل مصر والسودان”، مشيرة إلى أن ذلك “يتناقض مع حقيقة استمرار المفاوضات لأكثر من عشر سنوات بدون جدوى، وبدون أي التزام أو اعتبار لحقوق دول المصب”.
الانقلاب على اتفاق المبادئ
وقالت خبيرة الشؤون الأفريقية نجلاء مرعي ” إن “بيان الخارجية الإثيوبية كما أشار المتحدث الرسمي للخارجية المصرية، هو بيان مضلل ومليء بالمغالطات، لأن الدول الثلاثة لم تتفق على التخزين أو حجم المياه أو فترة الملء، كما يدّعي الجانب الإثيوبي”.
وأضافت: “كان هناك اتفاق إعلان المبادئ في عام 2015، لكن إثيوبيا فرغّت هذا الاتفاق من مضمونه ولم تلتزم بأي بند من بنوده”، متابعة “الملء الرابع على الأبواب، هل تعلم مصر أو السودان موعد الملء أو حجم المياه التي سيتم تخزينها؟”.
من جهته، كشف دبلوماسي مصري، طلب عدم ذكر اسمه، أن “الفترة الراهنة تشهد إعادة صياغة لتحركات القاهرة مستقبلاً”، مشيراً إلى أن “إعادة الصياغة تشمل أيضاً الخطاب المستخدم سواء في الأوساط الدولية أو الإعلامية”.
وشدد على أن “العودة لمجلس الأمن مجدداً أمر حاضر بقوة، ومحل دراسة معمّقة في الوقت الراهن”، مشيراً إلى أن “تلك الخطوة بحال اللجوء إليها ستكون عقب الملء الرابع لتضمين نتائجه ضمن الملف الجديد الذي سيتم التوجه به إلى المجلس”.
أضرار على مصر والسودان
من جهته، قال أستاذ هندسة المياه في جامعة القاهرة، عباس شراقي، إن “حديث إثيوبيا بشأن مراعاتها مخاوف مصر والسودان طوال المفاوضات أمر كاذب ومضلل تماماً”.
وأضاف أنه “خلال التخزينات الثلاثة السابقة للمياه خلف السد، لم تراعِ إثيوبيا أي ملاحظات أو مخاوف”.
وتابع شراقي أن “ما حدث في التخزين الأول كان دليلاً واضحاً على الإضرار بدول المصب، إذ تم قطع المياه عن السودان ومصر لمدة 21 يوماً في يوليو2020، مما أدى إلى انخفاض مياه النيل الأزرق في السودان وخروج بعض محطات مياه الشرب عن الخدمة”، مضيفاً أن “الأمر نفسه حدث أيضاً في التخزين الثاني الذي أرادت فيه إثيوبيا تخزين 13.5 مليار متر مكعب إلا أنها وقت الفيضان لم تستطع تخزين أكثر من 3 مليارات متر مكعب، مما تسبب في ارتباك في إدارة السدود السودانية وفي خطة الزراعة المصرية”.
وفي السياق، قال دبلوماسي مصري آخر سابق شارك في إدارة ملف المياه وأزمة السد خلال عمله بالخارجية المصرية إن أديس أبابا “تدرك جيداً أن موقفها الحالي خاطئ ومليء بالثغرات، بحال الاحتكام للأدوات، سواء الدبلوماسية أو القانونية الدولية”.
وشدد الدبلوماسي، – الذي تحدث طالباً عدم ذكر اسمه- على أن أديس أبابا “سبق أن وقّعت على بيان رسمي عام 2013 بالتزامها بتجنب إحداث أي أضرار تقع على دول المصب، بحال أثبتت لجان الخبراء تعرّض دولتي المصب لأي أضرار عبر الدراسات الفنية، وذلك بإدخال تعديلات على تصميم السد نفسه بحال تطلب الأمر ذلك”، مشيراً إلى أن هذا البيان “جاء توقيعه تحت ضغط التلويح بالحل العسكري”.
وأوضح الدبلوماسي نفسه أن “إدارة الملف من الجانب المصري في أعقاب ذلك الالتزام الإثيوبي مشوبة بالعوار”، وكشف أن التقارير الفنية التي أعدها الخبراء، ولم يعلن عن تفاصيلها حتى الآن، “مليئة بالملاحظات والأضرار التي قد تتعرض لها دولتا المصب”