تعرف على تاريخ الرذيلة فى «كلوت بك» وكيف تم تجريم البغاء فى مصر؟
تعرف على تاريخ الرذيلة فى «كلوت بك» وكيف تم تجريم البغاء فى مصر؟
انتشرت فى الآونة الأخيرة أحكام كثيرة لـ “فتيات التيك توك” خلفت موجة من الجدل الدائر حول دور وسائل التواصل في نشر الرذيلة والإفساد بين الشباب والشابات، فباتت الفيديوهات الخادشة للحياء رهن الطلب بمبالغ مالية يسيل لها لعاب ضعاف النفوس، علاوة على جني الأرباح من تحقيقها مشاهدات عالية.. قبلها بسنوات كانت الدعوة من جانب إحدى الإعلاميات لعودة البغاء المُرخص كما كان بالماضي كوسيلة للسيطرة على الانفلات الجنسي بالمجتمع المصري! .
الدكتور محمد فتحي عبد العال فتح ملف “تاريخ البغاء” فى كتابه “صفحات من التاريخ الأخلاقي بمصر”، والذي صدر مؤخرا، وتحت باب “إنما الأمم الأخلاق” تعرض لتاريخ ظهور البغاء ومراحل تجريمه، يقول عبد العال:”الحقيقة أن آفة الركون للماضي في تاريخنا أنه في بعض المشكلات كان أعجز من واقعنا الحالي عن إيجاد حلول فتركت بعض القضايا المجتمعية تتفاقم وتتسع حتى خرجت عن سيطرة المجتمع ولتكن قضية البغاء مثالا، بداية من الصعب تحديد بداية البغاء في مصر لأنه رافقها على مر العصور والأزمنة، ولكنه اكتسى طابعه الرسمي في عهد العثمانيين، وكانت بيوت الدعارة تُسمى الكراخانات أي مكان النوم باللغة التركية”.
وأضاف أن البغاء في مصر كان مُصرحا به في السنوات الأولى لحكم محمد علي باشا، بل ومصدرا من مصادر الضرائب إلى عام 1837م، والذي شهد منع و تجريم البغاء في مصر، ولاشك أن الأسباب التي دفعت الساسة في مصر لاتخاذ هذه الخطوة لم تكن لدواع أخلاقية وإلا لكان المنع منذ البداية، ولكن السبب يقبع في استفحال الأمر والخشية من خروجه عن السيطرة مع دعوات إلغاء الرق وتحول الكثير من الفتيات والفتيان المحررين من أغلال الرق لممارسة البغاء لجني المال، وهو ما كان يهدد بتفشي الأمراض بكثرة داخل مصر.
واستمر الوضع على ذلك المنوال حتى مجيء الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882م، وكان المشروع الاستعماري يشوبه فصاما نكدا ففي الوقت الذي يحمي أبناء جلدته من مغبة انهيار الحاجز الأخلاقي بمنع البغاء داخل بريطانيا فهو يعمل على توطينها في الوقت ذاته لدى مستعمراته ومنها مصر فعاد البغاء مجددا في ظل قوانين منظمة.
وأشار عبد العال إلى تقرير طريف كتبه الدكتور فخري ميخائيل فرج طبيب الجلد والأمراض التناسلية بالعاصمة صدر في 4 يناير 1924م عن “انتشار البغاء والأمراض التناسلية بالقطر المصري وبعض الطرق الممكن إتباعها لمحاربتها ” ، كان ميخائيل يقصد بتقريره هذا الوصول إلى أكبر رأس بالبلاد، وهو الملك فؤاد والمفترض أنه راعي الأخلاق في مصر في ضوء ما اشتهر عنه من التشدد بالحجاب، وأطرف ما يُساق في هذا الصدد من اشتراطه على ملك أفغانستان (أمان الله خان) أثناء زيارته لمصر بعدم ظهور زوجته الملكة ثريا سافرة أثناء الاستقبال الرسمي في قصر عابدين، وأمر الصحافة بعدم التقاط صورًا لها أثناء الزيارة، وهي من القصص التي تصلح للاستهلاك المحلي، وإقناع البسطاء بغيرة الملك على التقاليد.
وحذر تقرير الدكتور فخري من العاهرات الأجنبيات اللاتي وصفهن بالأفعى صاحبة الصولجان، فهن في حمى قناصل بلادهن مما يجعلهن بمفازة عن الكشف الصحي الرسمي والاستعاضة عن ذلك بشهادة من طبيب خاص ترسلها كل فترة وقد لا ترسلها وتكتفي الداخلية والصحة بشكوى لقنصلها عن تقصير العاهرة في إرسال الشهادة في موعدها، واعتبر الدكتور فخري هذا النوع من العاهرات الأخطر في مصر؛ لأنه خارج الإطار التنظيمي والرقابة، ولا توجد بيانات كافية ودقيقة عن تعدادهن، والذي تؤكد الشواهد وقتها أنه كان في اضطراد مستمر، خاصة مع إغلاق الشرطة العسكرية لكثير من أوكارهن الرسمية، فتحولن إلى الممارسة الغير نظامية.
واستعرض الدكتور فخري أماكن البغاء التي تتركز في المدن الكبرى كالقاهرة، والإسكندرية، والزقازيق، والمنصورة ما بين بنسيونات مراقبة، وأخرى غير مراقبة و ما أسماه بالمودة (يقصد الموضة) الجديدة في وجود ما يُسمى بمحل خاص للتسلي، وهو شقة خاصة تستقبل فيها السيدة زبائنها، ومحل نصف خاص للتسلي وبه عدد من السيدات مشتركات في مصاريف الشقة، وتتمتع كل واحدة منهن بخصوصيتها مع عشاقها وإيرادها الشخصي.
أما عن أماكن فحص سيدات البغاء فبحسب الدكتور فخري فهناك ثلاثة أماكن :مكتب درب النوبي -مكتب العباسية -مكتب السيدة زينب، ويرصد لنا من داخل هذه الأماكن صورة طبق الأصل للكشف الطبي الذي يجري اليوم على مرضى العيادات الخارجية بشكل عام .
فالكشف للمئات من العاهرات لا يستغرق الأربعين دقيقة في أحسن الأحوال، فالأطباء في عجلة من أمرهم، ولا يتم الكشف على جسم المرأة من الخارج ولا أخذ عينات وفحصها ميكروسكوبيا، فضلا عن عدم وجود خصوصية في الكشف، فالجميع في غرفة واحدة على اختلاف الأعمار بدون ملابس .
وبحسب التقرير فإن الزهري كان الأكثر انتشارا بين المصريات، أما السيلان فكان على التساوي لدي الأجنبيات والمصريات؛ لذا كان لزامًا ضرورة السرعة في تخصيص مستشفيتين للعاهرات إحداهما بالقاهرة بالحوض المرصود، والأخرى بالإسكندرية، أما الأجنبيات فتم تخصيص مستشفى لهن في شبرا وقت تواجد الجنود الإنجليز في مصر إبان الحرب العالمية الأولى، ثم تم إغلاقها لعدم الحاجة عام 1922م مع رحيل القوات المحاربة، وكأن حماية صحة الإنجليز أولى وأهم من صحة المصريين!!بحسب التقرير .
كانت حالة المريضات المصريات في هذه المستشفيات غاية في البؤس، فكانت تكلفة معيشة المريضة التي تدفعها مصلحة الصحة من مأكل ومشرب وعلاج لا تتعدى خمس قروش صاغ يوميا، في وقت تصرف فيه المرأة الإنجليزية على كلبها ثمانية قروش صاغ يوميا .
في مذكرات حكمدار القاهرة البريطاني (توماس رسل) في الفترة مابين 1917 إلى 1946م يرصد لنا عن كثب واقع ما أسماه المجتمع السفلي، وتنبع أهمية مذكراته من كونه من وضع حدًا لواحد من أشهر أباطرة الإتجار في الرقيق الأبيض في منطقتي الوسعة ووش البركة، وهو رجل نوبي مُخنث بدين ضخم الجثة يرتدي ملابس نسائية وحجابا أبيضا ومجوهرات ذهبية في ذراعيه، وعلى رأسه التاج يدعى (إبراهيم الغربي)، وكان له عليهم الطاعة العمياء التي وصلت إلى حد توقيع عقوبات على المخالفين
منهن تصل للموت، وكانت نهاية الغربي الموت بسجنه فعم الحزن أوساط البغاء.
انتهت الدعارة بشكل رسمي في مصر بموجب القانون 68 لسنة 1951، والمعمول به حتى الآن، وقد سبق هذه الخطوة خطوات تدريجية منها تجريم القوادين عام 1937م، وهدم بيوت الدعارة عام 1949م بموجب قانون عسكري، والملاحظ أن هذه التواريخ تتزامن مع توقيع معاهدة عام 1936م، والتي نصت على جلاء القوات البريطانية عن مصر، وقد تم جلاء القوات البريطانية عن القاهرة والإسكندرية بحلول عام 1946م، ورُفع العلم المصري عليها، وهكذا بدأ البغاء شرعيا مع الاحتلال وانتهى رسميا برحيله.
وهناك قصة شهيرة رواها الشيخ محمد متولي الشعراوي أو نقلت عنه من أن إلغاء البغاء في مصر كان بحيلة من نائب منطقة باب الشعرية سيد جلال الجيلاني الذي احتال على وزير الشئون الاجتماعية جلال باشا فهيم، وجعله يمر بشارع كلوت بك، فتعرض الوزير للسرقة وتمزيق ملابسه من العاهرات هناك، فألغى البغاء في مصر.