تنضم المواقف الإثيوبية الأخيرة من مفاوضات سد النهضة وإصرار أديس أبابا على المراوغة مع دول المصب، إلى قائمة من الأحداث الجسام التي تعرض لها هذا السد، والتي تضع علامات استفهام كثيرة حول أمان السد ويقين الحكومة الإثيوبية من هذا الأمر، والمخاطر المحتملة التي قد يشكلها سد النهضة على دولتي المصب.
السد الاثيوبي الذي تأخرت أعمال بنائه لنحو 5 سنوات بسبب مشكلات فنية وإدارية، بحسب قول مسؤول إثيوبي. لافتا إلى أن الإنشاءات في المشروع البالغة تكلفته أربعة مليارات دولار تأخر لخمسة أعوام بعد اضطرار المهندسين العاملين به لاستبدال أعمال تشييد دون المستوى نفذتها شركة المعادن والهندسة (ميتيك) التي تمت إزاحتها من المشروع بعد فضيحة مدوية، وهو ما يلقي بظلالة على سلامة المنظومة الإنشائية بأكملها للسد.
إصلاح أخطاء وأعمال دون الجودة المطلوبة
وقال منسق الموقع ونائب مدير المشروع بيلاشو كاسا في تصريحات لوكالة رويترز إنه تمت إزالة بعض أعمال الصلب عند منافذ التصريف في القاع واستبدلناها بأخرى جديدة. كما قمنا بتعديل وإصلاح بعض أعمال هياكل الصلب”.
وأضاف: “منافذ القاع. كانت في البداية من تنفيذ ميتيك”، في إشارة إلى شركة الصناعات الكبيرة التابعة للجيش التي كانت مسؤولة عن تنفيذ معظم الأعمال الإنشائية للسد لكن جرت إزاحتها عن المشروع، بعدما تولى أبي أحمد رئاسة الوزراء. وقال بيلاشو “خلُص خبراؤنا إلى أن منافذ القاع كانت دون المستوى من حيث (متطلبات) الجودة”.
إن افتقار إثيوبيا للخبرات الخاصة بمثل هذه المشروعات الضخمة، يجعل من الضروري وجود أداة مراقبة ولجان فنية مختصة بآلية تحددها دول المصب التي ستتضرر من أي أخطاء بالمشروع، وبما ينظمه القانون الدولي في المجاري المائية العابرة للبلاد.
جدير بالذكر أن رئيس الوزراء آبي أحمد قد صرح في وقت سابق بالقول إن تأخر إنتهاء المشروع ناتج أيضا عن الإدارة الفاشلة له، بسبب تدخل شركة «ميتيك» التابعة للجيش وأضاف أن الشركة وإدراتها لم تكن عندها خبرة ولا معرفة للعمل في مثل هذه المشاريع الكبيرة.
واعتقلت الشرطة الاثيوبية، في نوفمبر 2018، المدير التنفيذي للشركة التي كانت مكلفة بالإشراف على أعمال سد النهضة، وضابطا آخر تلاحقه السلطات القضائية، بتهم الفساد.
وقالت وكالة الأنباء الإثيوبية إن الشرطة الفدرالية أعلنت أنها ألقت القبض على “المدير التنفيذي لشركة ميتيك اللواء كينف دانيو في منطقة حومرا، قرب حدود السودان”.
وتوصلت لجنة برلمانية إلى أن شركة “ميتيك” أهدرت مئات الملايين من الدولارات، في إنتاج الأجهزة دون دراسة شاملة عن السوق لمنتجاتها. وقال رئيس الوزراء آبي أحمد إن الحكومة ألغت العقد مع “ميتيك”، وستعطيه إلى شركة أخرى
اغتيال مدير المشروع والتعتيم الحكومي عليه
الأخطاء الفنية وسوء الإدارة لم تكن الشروخ الوحيدة في بنيان السد، بل كانت هناك حادثة لا تقل أثرا عن واقعة ميتيك، وهي العثور على مدير مشروع سد النهضة، سيمجنيو بيكلي، مفارقا الحياة في سيارته التويوتا في 26 يوليو 2018.
وقال زينو جمال رئيس مفوضية الشرطة الاتحادية في إثيوبيا للصحفيين إن التحقيقات كشفت أن الرجل استخدم سلاحه وقتل نفسه، وذلك على الرغم من شكوك زوجة المهندس وأمه في الروايات التي أدلت بها الجهات الإثيوبية المنوط بها التحقيق في الأمر.
وذكرت تقارير حينها أن الوفاة ليست انتحارا وأن المهندس الإثيوبي تم اغتياله لأنه كان في هذا اليوم سيشارك في مؤتمر صحفي يكشف فيه للرأي العام الإثيوبي عن الأسباب التي أدت إلى تأخر الانتهاء من إتمام بناء السد وإكمال المشروع، وإن هذه البيانات كانت ستطال مسؤولين إثيوبيين كبار، وأن عملية اغتياله مدبرة للتعتيم على قضايا الفساد، وهو أمر آخر يلقي بظلاله على جودة المشروع واحتمالية أن يكون هناك كوارث تم التعتيم عليها من قبل الحكومة الإثيوبية.
الفوالق والتصدعات واحتمالية الزلازل
وبجانب قضايا الفساد وعدم امتلاك الخبرة التقنية والفنية للمشروع، قال مسؤولون إثيوبيون إن هناك مشكلة ساهمت في تأخير إتمام بناء السد لمدة 3 سنوات على الأقل، تتمثّل في وجود واد عميق تم اكتشافه خلال تحويل مجرى المياه”.
ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية إينا عن المسؤولين قولهم إن السد كان يُفترض أن ينتج الطاقة باستخدام توربينين في 2014، ولكن أدى وجود هذا الوادي إلى تأخير المشروع حتى 2017.
وتحاول إثيوبيا نفى الدراسات التي تقول إن سد النهضة مبني في منطقة زلازل، على الرغم من تأكيد دراسات عديدة لاحتمالية حدوث زلازل أو انهيارات ناتجة عن ترسيبات الطمي خلف السد، من بينها دراسة صادرة عن مكتب استصلاح أمريكي قام بأول دراسة لإمكانية بناء سدود في منطقة حوض النيل الأزرق باثيوبيا ومنها السدود الحدودية التي يمثلها سد النهضة، وقال البحيرات التي تكون خلف السدود تسبب زلازل، وهذه الظاهرة تسمي الزلازل بفعل الانسان. وأضاف أنها تنتج نتيجة تسرب المياه إلى داخل القشرة فوالق وصدوع القشرة الأرضية، وهو ما يساعد هذه الصدوع على الحركة.