آبي أحمد يبدأ تنفيذ خطة الهروب الكبير أمام خط مصر الأحمر
آبي أحمد يبدأ تنفيذ خطة الهروب الكبير أمام خط مصر الأحمر
يعتقد النظام الإثيوبى أنه مازال فى جعبته كثير من أوراق المماطلة التى نظمها من أجل الفتك بمنهجية مصر لحل تلك الأزمة،وتناسى أن الدولة المصرية قد رسخت بنية تحتية سياسية لتلك المنهجية يصعب استهدافها،ومن ثم يستحيل هشاشتها جراء تلك السياسة الإثيوبية،فالرؤية المصرية قد تعرضت للانصهار الايجابي مع السودان مما زاد من صلابتها الإقليمية التى سمع دويها على الصعيد الدولى،والتى كان ارتكازها الحقيقي نابعا من اتفاق المبادئ الذى وقع بين الأطراف الثلاث عام ٢٠١٥،والذى يعد بمثابة وثيقة بالأحرف الأولى تهدف إلى حماية مصالح الدول الثلاث بدون إضرار أى طرف،فليس من المستغرب أن نجد محاولات مستميتة من قبل أديس أبابا للنكوص عن ذلك،فى وجود مخططات خبيثة لإثيوبيا أو من قد عزم النية على استخدام أبي أحمد كدرع واقى لطموحه وتدخله بتلك المنطقة.
فمطالبة الدولة المصرية بحل الأزمة وفقا لاتفاق يقوم على أركان العدالة والقانون أصبح صكا موثوقا لدى المجتمع الدولى يحدد ملامح تلك القضية ،بعكس تلك الجدلية التى تثيرها أديس أبابا عبر السياسة الملتوية التى تنبئ برفض الوصول إلى حل واقعى يمثل مصالح الأطراف الثلاث،كل ذلك وسط رفض دولى وإقليمى من أن تموج منطقة حوض النيل باضطراب يغير موازين السيادة بملء الفراغ الذى خلفته القوى الدولية،فتوجه إثيوبيا نحو السودان لفرض ذلك المخطط،كانت له دواعى استراتيجية تتمثل فى وجود الخرطوم على حافة مرحلة انتقالية لم يتضح من خلالها معالم النظام الجديد الذى سيحكمها،وبهذا تنامى إلى ذهن نظام أبي أحمد أن السودان سوف يكون لقمة سائغة لتحقيق تلك الخطة،فوجود مصر بتلك الأزمة على الرغم من التأثير التباعدى للسد على أمنها المائى بعكس السودان،يؤكد على عمق حدود الأمن القومى المصرى التى تعد السودان جزء منه،كما أنه يلقى الضوء على محدودية السياسة السودانية التى استطاعت القاهرة أن تستقطبها داخل المجال الأمن لحل الأزمة،بإقرارها بضرورة وجود اتفاق ملزم يحمى الحقوق الوجودية لدولتى المصب.
فوصول ذلك الملف إلى ذرة التأزم بين البلدان الثلاث،تجلى بوضوح بعدما أخفق الاجتماع السداسى الذى عقد خلال الشهر الماضى فى التوصل إلى قاعدة تفاوضية تدشن حلولا فعلية للأزمة،مما جعل دولتى المصب تستشعر إن إثيوبيا تشيع مسار الحوار إلى مثواه الاخير ،بعدما أصاب العطب ذاك الأمل الذى كان يحدو أطراف الأزمة لإنهاء تلك القضية بشكل يضمن حقوق الدول الثلاث، فى وقت ترجح المؤشرات أن أديس أبابا لا تمتلك الإرادة التى قد تفضى إلى الحل المثمر ،بينما تسعى فقط إلى استنفار طاقتها الاستفزازية لمزيد من التعقيد،ومن المؤكد أن من يسعى للحل فهو يجتهد من أجل استتباب مصالحه،وعلى النقيض فمن يسعى لغير ذلك فهو يخطط لمصالح غير ذاتية ،مما يثبت إن إثيوبيا تتعنت نحو هذا الملف لأن سد النهضة هو مشروع بالوكالة عن دولة آخرى تنوى الاستفادة من مغبة ما يحدث من عراقيل،ومن ثم يصبح الطموح التنموى الإثيوبى كذبة ليس اكثر.
حيث أدلى وزير الطاقة والمياه الإثيوبى شيلسى بيكيلى بتصريحات نقلتها وكالة الأنباء الإثيوبية،تلك التصريحات التى أثارت كثير من الاستفزاز والدهشة ، فيقول بيكيلى أن التوافق بين الدول الثلاث قد وصل لمراحل توافقية عدا بعض النقاط القانونية الخلافية،مضيفا لا يمكن التوافق حول تلك النقاط التى لا تمثل مصالح إثيوبيا،ويستطرد بيكيلى قائلا أن اتفاق المبادئ الذى يحوى عشر بنود لم يتناول سوى إطار توجيهى لعمليات الملء والتشغيل، متضمنا حقوق إثيوبيا فى التنمية دون الإضرار بمصالح دولتى المصب،معربا أن الدور الذى تلعبه كلا من أمريكا والإتحاد الأفريقي بتلك الأزمة لم يعدو كونهما وسطاء يرتكز دورهما باتجاه تمهيد أرضية مشتركة للحل فقط،مؤكدا أن إثيوبيا دولة غنية بالموارد والثروات مثل تلك الطاقة المتجددة التى تنتج من سد النهضة والسدود الكهربائية الآخرى دون تحقيق أى استفادة منها!!
وانطلاقا من هذا المحور نستطيع الجزم أن إثيوبيا تصطاد بالماء العكر لإحداث حراك مناهض لدبلوماسية مصر التى نجحت بتطويق سد النهضة بسياسة الخط الأحمر،فتلك السياسة التى انتهجتها مصر كان هدفها منذ الوهلة الأولى عدم ترك المجال أمام إثيوبيا لتحويل مسار الحل وفقا لسياسة إدارتها لتلك الأزمة بعيدا عن مقتضيات الأمن القومى المائى لدولتى المصب،وذلك لأن إثيوبيا تعلم جيدا أن الأمن القومى المصرى لن يقبل التجزئة أو المساومة، لأنه يمت بصلة لقضية وجودية مثل قضية المياه وليس لشق سياسى كما تحاول إثيوبيا أن تفعل على الحدود السودانية،فالخط الأحمر الذى فرضته القاهرة كآلية اشتراطية لفض هذا النزاع، والذى دعمته السودان ،قد منح الفرصة لكتلة مصالح الأغلبية المتجسدة بالقاهرة والخرطوم لفرض شروط الحل ضد أديس أبابا التى تمثل عين الأقلية،وبهذا تصبح تصريحات هذا المسئول الإثيوبى دلالة ثاقبة باتجاه طمس قاعدة الحل الملزم لتلك القضية عبر اختراق الخط الأحمر،ليبرهن على أن إدارة أبي أحمد تتعامل مع مبدأ التفاوض برفاهية ومن أجل استعراض نواياها فقط أمام المعسكر الدولى دون أى تحركات حقيقية ملموسة.
فتصريحات وزير الطاقة والمياه الإثيوبى بشأن ملف سد النهضة يبلور وجود استراتيجية لأديس أبابا ترمى نحو تفكيك عقدة الحل الذى يكمن فى اشتراطات مصر،وذلك عبر القواعد الاسترشادية لتشغيل السد،إلى جانب انبثاق عدم تضرر دولتى المصب من هذا السد بناء على أحقية إثيوبيا فى التنمية كأجندة أولية يجب أن تسبق مطالب القاهرة والخرطوم فى الأساس،ولا يجب أن يمر حديث هذا المسئول ببديهية لأن اعترافه بوجود طاقة مهدرة من هذا السد وباقى السدود الإثيوبية يستدعى إلى الذهن خطة إثيوبية لخصخصة سياسية واستثمارية لهذا السد،تدفع نحو خلق ظهير داعم لنظام أبي أحمد بنزاع السد لمحاولة تقويض عزلة السد التى تمكنت الدولة المصرية من فرضها بقوة،من خلال وضع هذا السد على عتبة البيت الأبيض وغيرها من حلقات التصعيد الدبلوماسى الناعم التى جابهت به هذا السد اللعين ،والذى ظهر بعقد جلسة لسفارة مصر بواشنطن مع نواب كبار من الكونجرس الأمريكى عبر الفيديو كونفرانس ،والتى لن تكون آخر تلك اللقاءات،والتى سوف تسفر عن نتائج ستتضح على مصير الملء الثانى للسد وكذلك إدارته وتشغيله خلال وقت قريب.