أزمة خطيرة في إثيوبيا تهدد اكتمال سد النهضة
أزمة خطيرة في إثيوبيا تهدد اكتمال سد النهضة
لم تكن الاضطرابات الأخيرة في إثيوبيا، ومحاولة إقليم تيجراي الانفصال عن البلاد، وما تبعه من معارك طاحنة مع الجيش الإثيوبي وحدها من تهدد اكتمال بناء سد النهضة، وفق تقديرات خبراء مصريين، بل تكشفت عقبات أخرى تعاني منها إثيوبيا وتهدد بالفعل اكتمال السد الجديد.
ويكشف الدكتور عباس شراقي، رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية في جامعة القاهرة، أن ظروف بناء السد الإثيوبي تتشابه مع ظروف عدم اكتماله فعندما شرعت إثيوبيا في بناء السد في العام 2011 مستغلة انشغال مصر بظروفها الداخلية وحدوث بعض القلاقل والاضطرابات إثر أحداث يناير 2011، لم تكن تعلم أن اضطرابات مماثلة لديها قد تؤدي لعدم اكتمال بناء السد وتهدد وجوده من الأساس.
للتوضيح أكثر يقول الخبير المصري إن إثيوبيا هي خليط من الأجناس والعرقيات المختلفة، وكانت قديما تسمى الحبشة عند العرب، ثم أطلق عليها حديثا إثيوبيا وتعني الوجه الأسمر عند الإغريق، وتعد موطنا لأكثر من 80 جماعة إثنية وعرقية مختلفة في اللغة والدين والعادات.
ويضيف أنه ومنذ أوائل تسعينيات القرن الماضي ساد الصراع والقتال بين الجماعات والأقاليم التي لها حدود مشتركة خاصة على حدود الصومال وإريتريا والسودان، مثل إقليم تيجراي الذي يقع بالقرب من إريتريا، وإقليم أجاودين قرب الصومال، وإقليم بني شنقول قمز الذي تسكنه قبائل تنتمي للسودان ويقع بالقرب من الحدود السودانية، ويقام على أرضه سد النهضة، مشيرا إلى أن من بين الأسباب الرئيسية لهذه الصراعات هي التنافس على الموارد الطبيعية والأراضي، فضلا عن عدم المساواة والتنوع الديني وعدم وضوح الحدود بين المناطق والمقاطعات.
وفق ما يقول الخبير المصري فقد هدأت الصراعات نسبياً بعد الإعلان عن سد النهضة في فبراير 2011، ونجاح الحكومة الإثيوبية في إلهاب مشاعر الإثيوبيين بالمشروع القومي الذي سيوحد الأمة ويحقق للجميع الرخاء والتنمية، والترويج لوجود قوى إقليمية مثل مصر تريد وقف المشروع وحرمان الإثيوبيين منه، مرددة أقاويل كثرة منها تدخل مصر لدى القوى الكبرى لوقف تمويل السد، وزيارة الرئيس الأسبق والراحل حسني مبارك مبارك لإيطاليا في العام 2010 لإقناعها بعدم تمويل المشروعات المائية الإثيوبية، ما يتطلب وقوف الشعب الإثيوبي معاً لبناء سد النهضة بتمويل إثيوبي خالص وطرح الصراعات جانباً.
الريبة والشك
ما كان معتادا على الحكومة الإثيوبية ترويجه طيلة تلك السنوات بدأ السكان المحليون ينظرون إليه بعين الريبة والشك، فقد وضح لهم من خلال جولات المفاوضات أن مصر لا تسعى لوقف الرخاء والتنمية للإثيوبيين، بل كان كل ما تطالب به هو عدم تقليل حصتها من المياه.
كما أعلنت خلال المفاوضات أنها ستتقبل نقص حصتها من المياه لحين بناء السد طالما أن مياه الفيضانات كافية، ولكنها كانت تشترط فقط وقف التخزين والملء خلال سنوات الجفاف والجفاف الممتد، كما جاءت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بوقف المساعدات عقابا لإثيوبيا على تعنتها في مفاوضات السد، وتحذيره لها من مغبة تفجيره ليضع الأمور في نصابها الصحيح لدى أذهان الشعب الإثيوبي.
ويقول الدكتور شراقي إن الحكومة الإثيوبية استغلت بناء السد ونفذت حملة اقتطاع مساحات كبيرة من الأراضي المملوكة للأورومو، من أجل تنفيذ خطة التوسعات والمشروعات المزمع إقامتها حول العاصمة أديس أبابا، وتهجيرهم من أراضيهم، دون دفع التعويضات المناسبة ما زاد من السخط ضدها، كما امتدت معارضة الحكومة إلى منطقة بني شنقول التي يقع في أراضيها سد النهضة حيث اعترض السكان المحليون بعد أن تضرروا وهجروا من أراضيهم وفر بعضهم إلى أهاليهم من بني شنقول في شرق السودان هرباً من بطش واضطهاد السلطات الإثيوبية.
الحروب الأهلية ليست فقط العائق الوحيد
من هنا يجب توضيح بعض الحقائق وفقاً لما يقول الخبير المصري، وهي أن المظاهرات والحروب الأهلية ليست فقط العائق الوحيد الذي يهدد اكتمال بناء سد النهضة، بل هناك عوامل التهجير وعدم دفع التعويضات المناسبة للسكان المهجرين ما أثار نوازع التمرد والرغبة في الانفصال داخلهم، فضلا عن أنه لا توجد شبكة طرق جيدة داخل إثيوبيا خاصة المؤدية إلى منطقة سد النهضة من العاصمة، ومن يريد زيارة السد من أديس أبابا عليه أن يستخدم الطيران وهو ما يعني أنهم لم يشاهدوه سوى في وسائل إلاعلام، مشيرا إلى أن العقبات الأخرى التي جعلت السكان غير متحمسين للسد أنه لن يفيد غالبية السكان الذين يعيشون على المناطق المرتفعة وهي أكثر من 2000 متر أعلى من مستوى بحيرة السد والذين يعانون من نقص مياه الشرب النقية بعد انتهاء موسم الأمطار، كما أن السد لن يخدم التنمية الزراعية بدرجة ملموسة لمحدودية الأراضى المستوية القابلة للزراعة بالرى حول السد وخزانه والمقدرة بنحو 200 ألف فدان.
تصدير الكهرباء المولدة
ويقول الخبير المصري إن الحكومة كانت تعول على تصدير الكهرباء المولدة من السد وهو أمر قد يبدو غير واقعي أيضا لعدم استفادة الإثيوبيين الذين ليس لديهم كهرباء وعددهم يزيد على 75% من جملة السكان من كهرباء السد نظراً لخطة الحكومة لتصديرها إلى الدول المجاورة مثل السودان وكينيا وجيبوتي، وللتكلفة الهائلة التي تعادل تكاليف سد النهضة نفسه وهي أكثر من 8 مليارات دولار في حالة إقامة شبكة ربط كهربائى داخل الأراضي الإثيوبية الصعبة والمكونة من جبال وأودية وانحدارات شديدة وأمطار غزيرة تصل إلى حد السيول في موسم المطر وعدم توفر شبكة طرق جيدة وانتشار معظم السكان على مساحات شاسعة تقدر بمساحة مليون كيلومتر مربع.
لكل هذه الأسباب مجتمعة وفق ما يقول الخبير المصري زادت وتفاقمت حدة الغضب لدى الشعب الإثيوبي من حكومته وجاء قرار رئيس الوزراء الإثيوبي بتأجيل الانتخابات ليزيد النار اشتعالا ويزيد من النزعات المطالبة بالانفصال وبدأت من إقليم تيغراي وسيتبعه أقاليم أخرى ما قد يؤدي لحرب أهلية ليصبح معها مصير اكتمال سد النهضة غامضا ومجهولا.