أمريكا.. انقسامات متفاقمة وسيناريوهات أكثر صعوبة
أمريكا.. انقسامات متفاقمة وسيناريوهات أكثر صعوبة
يشهد الواقع السياسي في الولايات المتحدة تطورات «غير مسبوقة»، تعكس انقسامات واسعة، حرّكها إلى حد بعيد ملف «تمويل الحكومة»، والصفقة التي بموجبها تم تجنّب الإغلاق، ما أدى إلى الإطاحة برئيس مجلس النواب، كيفن مكارثي، بأغلبية 216 صوتاً، في سابقة هي الأولى من نوعها على مدار التاريخ الأمريكي، وسط انشقاقات داخل الحزب الجمهوري.
وفيما دعا الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الجمهوريون بهامش ضئيل، إلى تعجيل انتخاب رئيس جديد للمجلس، تجنباً لتعطل أعماله، ثمة تساؤلات واسعة تتجاوز حدود المشهد الراهن، لجهة تداعيات السابقة على الداخل الأمريكي، وعلى أجواء انتخابات العام المقبل.
وكذلك انعكاساتها على المشهد الاقتصادي، في ظل تجاذبات مرتبطة بملف التمويل، الأكثر سخونة خلال المرحلة الماضية، الذي يتعين معه الوصول إلى اتفاق حاسم بين الجمهوريين والديمقراطيين، تجنباً للانجرار وراء سيناريوهات أكثر صعوبة.
من واشنطن، يصرح خبير الأنظمة المالية والاقتصادية، زيد البرزنجي، بأن من شأن الانشقاق أن يفاقم حدة الخلافات السياسية، والانقسامات، وتصعب المواقف، ما يحبس أنفاس الأمريكيين، أمام وضع متأزم، انتظاراً لما سوف تؤول إليه المستجدات خلال الأسبوعين المقبلين، وماهية توافق النواب الجمهوريين على قائد جديد للمجلس في المرحلة المقبلة.
ثمة سيناريوهات متعددة تفرض نفسها على الساحة، لا سيما المتعلقة بقضية تمويل الحكومة الفيدرالية، بعد انقضاء مهلة الـ45 يوماً، التي أقرتها الصفقة الأخيرة التي تم بموجبها تجنب الإغلاق، بينها: سيناريو «عدم التوصل لاتفاق»، ما يؤدي حتماً إلى شلل بعض أعمال الحكومة.
ويقول البرزنجي: «يتحدد مدى خطورة هذا السيناريو من خلال المدة المتوقعة للإغلاق، فإن كانت بين أيام قليلة، يمكن أن تكون عواقبها أخف، على العكس إن طال الإغلاق دون اتفاق، فالتبعات حينها سوف تكون قاسية، كونها تفضي إلى إشكالات جسيمة، ترتبط بحسن إدارة البلاد، والاقتصاد، وصولاً لأعمال القطاعين الخاص والعام».
فيما يتحدث البرزنجي أن بين تلك السيناريوهات، إمكانية لجوء الإدارة الأمريكية إلى أدوات دستورية «غير معهودة» لرعاية الدين، وعدم التخلف عن السداد، يبزغ سيناريو التوصل لاتفاق الديمقراطيين والجمهوريين على وقع تفاقم الضغوطات، ولا يستثني إمكانية «المساومة» حول قضايا، وملفات، قبل الانتخابات.
من شيكاغو، يطرح خبير المخاطر المالية، محيي الدين قصّار، تساؤلاً: «هل ستكون مهلة الـ45 يوماً لتجنب الإغلاق كافية للتوصل إلى اتفاق حول التمويل الفيدرالي؟»، ويرجّح أن المهلة «لن تكون كافية لتعيين رئيس جديد لمجلس النواب! وإذا ما تم تعيين رئيس جديد، فهل سيتمكن من حل الأزمة مباشرة، أم تبقى معلقة؟».
ويشدد قصّار على أن المشهد الراهن يعكس فراغاً ملحوظاً، يؤثر بشكل كبير على معطيات الانتخابات الرئاسية المقبلة (نوفمبر 2024)، فيما يركن حل الأزمة إلى مدى قدرة الجمهوريين على «لمّ الشتات»، مجدداً، والاعتماد على قائد، يمكن الوثوق به، والإجماع عليه، بينما لا يروق للديمقراطيين حل الأزمة على هذا النحو.
ويفسر قصّار أن الولايات المتحدة تعاني أزمة ليست «اقتصادية»، بل «مالية»، مرتبطة بأسواق المال، تعتمد على قدرة «الكونغرس» على إيجاد حلول تتعلق بالإنفاق الفيدرالي، وعدم الإغلاق، ويختتم بالقول: «نحن أمام مرحلة مختلفة.. لأول مرة في تاريخ الديمقراطية الأمريكية يحدث فراغ في منصب بعد الإطاحة برئيس مجلس النواب».