كان لواقعة نقل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى مخبأ سري محصّن تحت الأرض في البيت الأبيض – إن حدثت – أن تمر كحدث عادي يندرج في إطار حماية أمن الرئيس في ظروف طارئة، إلا أن ترامب نفسه أخرجها من هذا السياق وأدرجها في قاموسه الجدلي الخاص، وأسبغ عليها نكهته التي بات العالم معتاداً عليها ويتعاطى معها بتندّر وطرائفية.
خبر نقل ترامب للمخبأ في الثلاثين من الشهر المنصرم، لم يصدر عن وسيلة إعلام صينية أو روسية أو كورية شمالية، بل عن وسائل إعلام أمريكية وازنة من عيار “شبكة سي إن إن” وصحيفة “نيويورك تايمز”، أي أن الأمر عبارة عن “شهد شاهد من أهلها”.
لكن في الوقت نفسه، يقول قائل إن علاقة ترامب ووسائل الإعلام الأمريكية ليسوا على ما يرام، بل هي متوتّرة وصراعية وإشكالية منذ دخول الرئيس المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. فهل دخل ترامب ذلك المخبأ المحصّن، ولأي سبب؟. ثم لماذا نفى الواقعة؟. ولماذا تعمّد في اليوم التالي لنشر الخبر أن يذهب مترجّلاً إلى كنيسة مجاورة للبيت الأبيض، ووقف يتحدّث للصحافيين حاملاً نسخة من الإنجيل؟. كل شيء يفعله هذا الرئيس أو يقوله يثير أسئلة كثيرة، أغلبها بلا أجوبة.
صحيفة “نيويورك تايمز” كانت ذكرت أن جهاز الأمن الرئاسي نقل ترامب مساء 30 مايو إلى مخبأ سري أو ما يعرف بمركز عمليات الطوارئ الرئاسية. وهذا المخبأ تم بناؤه خلال الحرب العالمية الثانية للحماية من هجوم نازي مفاجئ، وهو يتحمّل ضربة نووية. كما أن هذا هو المكان الذي لجأ إليه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني إبان هجمات 11 سبتمبر.
لكن، وكما تقول “نيويورك تايمز” فإن ترامب خرج في اليوم التالي من القبو بعد انتشار الخبر في الصحافة الأمريكية، وعاد إلى مكتبه، وهدّد من هناك بإنزال قوات الجيش لقمع الاحتجاجات. وتعلّق الشبكة البريطانية بأن “هذه أدبيات دول العالم الثالث وليس الولايات المتحدة”، لكنها تضيف بأن ترامب له “مبرراته” حيث قال: “نحن نعمل على إنهاء أعمال الشغب والنهب التي انتشرت في بلادنا، وسننهيها الآن. طلبت اليوم من حكام الولايات أن ينشروا الحرس الوطني بأعداد كافية للسيطرة على الشارع، وإذا فشلوا في اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية الأرواح والممتلكات فإنني سأنشر قوات الجيش لفرض حل سريع”.
هذه التصريحات أجّجت الاحتجاجات من جديد أمام البيت الأبيض. وعندها استخدمت قوات الأمن الغازات المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين وفسح المجال للرئيس للوصول إلى “كنيسة الرؤساء” مجاورة للبيت الأبيض تعرّضت للتخريب في موقف وصف بأنه تحد من المحتجين.
وتعتبر “نيويورك تايمز” أن ترامب أراد أن يقول من خلال ذهابه على الكنيسة على قدميه إنه ليس خائفاً.