القصة الحقيقة لمقتل رهائن إسرائيل بيد القوات الإسرائيلية
القصة الحقيقة لمقتل رهائن إسرائيل بيد القوات الإسرائيلية
اعداد/جمال حلمي
القصة الحقيقة لمقتل رهائن إسرائيل بيد القوات الإسرائيلية وليس بيد مقاتلي حماس ومنهم الطفلة التي روجت لها إسرائيل إعلاميا بأن مقاتلي حماس هم من قتلوها
كيف انتهت قصة 15 رهينة احتجزهم مقاتلو القسام في بئيري؟
خلال هجوم حماس على بلدات إسرائيلية محاذية لقطاع غزّة يوم 7 أكتوبر ، احتجز مقاتلو القسّام 15 رهينة في أحد منازل كيبوتس بئيري لساعات طويلة.
دارت يومها معارك بين قوات الجيش الإسرائيلي والمسلّحين الفلسطينيين وجرت مفاوضات بين الجانبين، لكنها انتهت بمقتل جميع من كان في المنزل باستثناء امرأتين.
وسط غبار المعارك، قد يكون من الصعب الجزم بالتسلسل الدقيق للأحداث، حتى بالنسبة لمن عايشوها. ولكن تفاصيل أوضح عما حصل ذلك اليوم بدأت تظهر، بعد مرور أكثر من شهرين، ونشر شهادات جديدة تناقض ما تناولته تقارير إعلامية سابقة بشأن ما حدث في منزل السيدة بيسي كوهين في كيبوتس بئيري.
ثقوب الرصاص وغرف مدمرة داخل منزل في كيبوتس عند غلاف غزة
تم إعادة تركيب صور المشهد قطعة قطعة، بحثاً عن سرد شامل قدر الإمكان، استناداً إلى شهادات الناجين وعائلات الضحايا، والتقارير الإعلامية التي تناولت الحدث.
هل قُتل مقاتلو القسّام ومعهم 13 رهينة بنيران الجيش الإسرائيليّ؟
كان من المفترض أن يمرّ يوم 7 أكتوبر بهدوء بالنسبة لسكان مناطق غلاف غزّة بعد أمسية احتفلوا خلالها بعيد العرش اليهودي. لكن الهجوم المباغت غير المسبوق الذي نفذّته حركة حماس في ساعات الصباح الأولى، قلب الأمور رأساً على عقب.
وتُحمّل السلطات الإسرائيلية حركة حماس المسؤولية الكاملة عن تداعيات الهجوم.
وأعلن الجانب الإسرائيلي بداية عن مقتل 1400 شخصاً من المدنيين والعسكريين خلال الهجوم، ثمّ خفضّ العدد إلى 1200 ومؤخراً إلى 1139.
بعد إعلان الجيش الإسرائيلي استعادة سيطرته على البلدات الإسرائيليّة الواقعة في غلاف غزة، تحوّل كيبوتس بئيري – أكبر الكيبوتسات المجاورة لقطاع غزّة مساحة وأقدمها – إلى محطة مهمّة لوسائل الإعلام وللسياسيين المتضامنين مع إسرائيل، بسبب عدد القتلى والمخطوفين الكبير، وحجم الأضرار.
أفيد عن وقوع نحو 120 قتيلاً واختطاف العشرات من بئيري. وكشف انتهاء المعركة عن تدمير عدد كبير من المنازل بشكل شبه كامل.
وجه ناجون، وعمّال إنقاذ، وضباط من الجيش الإسرائيلي اتهامات إلى مقاتلي حماس بارتكاب أعمال قتل وتعذيب وتدمير وإحراق منازل وأشخاص وخطف آخرين.
لكن بعد مرور أسبوع على الهجوم، أدلت ناجية إسرائيليّة تدعى ياسمين بورات بشهادة مختلفة، وكانت روايتها نقطة انطلاق لكشف مصير 15 شخصاً احتجزهم مقاتلو كتائب القسام، في منزل سيدة تدعى بيسي كوهين في بئيري.
كاميرا المراقبة تظهر لحظة تمكن مقاتلي القسام من عبور البوابة الرئيسية في بئيري
كيف بدأ الهجوم على بئيري؟
أظهرت كاميرات المراقبة وتلك التي كانت بحوزة مقاتلي حركة حماس، اقتحام المسلّحين للبوابة الرئيسية للكيبوتس، عند الساعة السادسة صباحاً.
بداية، حاول مقاتلان من حماس عبور البوابة الرئيسية، وعند فشلهما، كمنا جانباً وانتظرا وصول سيارة مدنيّة، أطلقا النار على سائقها بعد فتح البوابة.
أظهرت مشاهد أخرى بداية دخول المقاتلين إلى بئيري، وتوجههم نحو المنازل.
تبادل السكان رسائل صوتية تحدثوا خلالها عن سماعهم أصوات أشخاص يتحدثون بالعربية يقتربون من بيوتهم.
الكاميرات المثبّتة على أجساد المقاتلين أظهرت اقترابهم من بعض المنازل وإطلاق النار من الخارج. في أحد المشاهد، يظهر شخص يسقط داخل منزله برصاصة أطلقها مقاتل من حماس.
كان المسلحون محمّلين بأسلحة رشاشة وقنابل يدوية وبعضهم كان يحمل قذائف “أر بي جي”.
معظم شهادات الناجين الذين لم يقعوا في قبضة مقاتلي القسّام، أكدت لوسائل الإعلام إسرائيلية وعالمية الآتي: حاول مقاتلو حماس اقتحام المنازل، كانوا يطلبون من السكان الخروج لأخذهم رهائن إلى غزّة.
وكانوا يطلقون النار على الأبواب المغلقة، فيما اختبأت العائلات في غرف محصّنة مخصصة للحماية من إطلاق الصواريخ من غزّة.
جاء في عدد من شهادات الناجين وضباط الجيش، أنّ المقاتلين كانوا يحرقون المنازل أحياناً لإجبار السكان على الخروج.
بعد ساعات قليلة، ظهر مدنيون فلسطينيون من غزّة في بثّ مباشر من داخل بئيري.
حتى هذه اللحظات، ليس هناك أي أثر لمواجهة مع الجيش الإسرائيلي داخل الكيبوتس، رغم تسجيل بعض المواجهات التي بدأت صباحاً بين بعض عناصر الأمن ومقاتلي حماس.
استغرق الجيش الإسرائيلي يومين لإعلان سيطرته الكاملة على بئيري وإفراغها من المقاتلين.
دخلت عدسات وسائل الإعلام إلى الكيبوتس في العاشر من أكتوبر ، فكشفت عن ساحة حرب وعن دمار هائل.
الأضرار الجسيمة التي لحقت بالسيارات والمباني أشارت إلى أن معارك ضارية دارت داخل الكيبوتس.
عثرت وحدات الإنقاذ على جثث مدنيين تحت الركام، وعلى جثث تفحّمت وكان من الصعب التعرّف إليها.
واستدعت السلطات لاحقاً عناصر من فرق علماء الآثار، للبحث عن آثار رفات أشخاص أكدّت المعلومات مقتلهم دون العثور على أي أثر لجثثهم.
كانت آثار مرور الدبابات داخل الكيبوتس واضحة في بعض الصور واللقطات التي نشرتها وسائل إعلامية، مثل قناة 24 الإسرائيلية وصحيفة الغارديان البريطانية.
لاحقاً كشفت صحف إسرائيلية عن مساندة الدبابات لوحدات الجيش الإسرائيلي، أثناء معركة استعادة السيطرة على الكيبوتسات.
على سبيل المثال، روى المقدّم في الجيش الإسرائيلي، سلمان حبكا، لأكثر من وسيلة إعلامية محلية، أنه كان أول الواصلين بدبابة إلى بئيري، وتحدّث عن قتال دار من منزل إلى آخر في مواجهة المقاتلين الفلسطينيين.
ياسمين بورات: ناجية من “مجزرتين”
كُتب لياسمين بورات أن تنجو مرتين في يوم واحد؛ الأولى عند فرارها من مهرجان نوفا الموسيقي الذي اقتحمه مقاتلو حماس، والثانية عند خروجها حيّة من معركة بئيري، بعد احتجازها رهينة.
تحدثت ياسمين إلى أكثر من قناة وصحيفة عمّا عاشته خلال أكثر من 12 ساعة، منذ بدء الهجوم في الصباح الباكر.
وكرّرت روايتها للأحداث التي شاهدتها منذ لحظة فرارها من حفل نوفا، إلى لحظة تسليمها للجيش الإسرائيلي بعد احتجازها في منزل بيسي كوهين، مع رهائن آخرين.
نستعيد هنا قصّة ياسمين كما روتها لأكثر من وسيلة إعلامية، من بينها إذاعة “كان” وصحيفة معاريف والقناة 12 الإسرائيلية وقناة سي أن أن الأمريكية.
ياسمين بورات
كانت ياسمين بورات حاضرة برفقة حبيبها، تال كاتز، في مهرجان نوفا الموسيقي قرب كيبوتس رعيم.
مع ورود إشارات الخطر الأولى وانطلاق الصواريخ من غزة، طلب رجال الأمن المكلّفين بحراسة المهرجان وقف الحفل ومغادرة الجميع.
غادرت ياسمين مع تال سريعاً في سيارتهما، وتوقفا بعد أمتار قليلة للاختباء. بعد 20 دقيقة سمعا صوت إطلاق رصاص، فعادا إلى سيارتهما بسرعة، وغادرا. في اللحظات التي اتجها فيها نحو السيارة، شاهدا مقاتلي حماس يدخلون موقع الحفل، ويطلقون النار.
قاد تال السيارة خمس دقائق تقريباً، فوجد أمامه زحمة، وشاهد آلية لمسلحين تقطع الطريق، فاستدار بالسيارة، وغيّر وجهته.
دخلا إلى كيبوتس بئيري عند الساعة السابعة تقريباً، وركنا السيارة ولم يعرفا بوجود مقاتلي القسام داخل الكيبوتس.
طرقا باباً وتحدثا بالعبرية لطلب الدخول، فأدخلهما صاحب المنزل، أدي داغان، وزوجته هاداس داغان، واختبأوا جميعاً في الغرفة المخصّصة للحماية من الهجمات الصاروخية.
أدي داغان
عند السابعة والنصف بدأ أصحاب المنزل بتلقي رسائل عن وجود مسلحين داخل الكيبوتس.
أكثر من ست ساعات مرّت وهم جالسون في الغرفة الصغيرة داخل منزل الزوجين داغان.
عند الواحدة ظهراً، قالت لهم هاداس، التي كانت تتابع الأخبار الواردة من سكان الكيبوتس على هاتفها، إنّ المقاتلين أصبحوا على مسافة منزل واحد.
بعد خمس دقائق وجدهم المسلحون. قالت ياسمين إنّ أدي داغان أمسك بمقبض الباب ما يقارب الساعة في محاولة لمنعهم من الدخول، في النهاية رمى أحد المسلحين قنبلة يدوية لم تقتل أحداً، لكنها أجبرتهم على الاستسلام.
وقالت إنّ محاولة المقاتلين اقتحام غرفة المنزل حيث كانوا يختبئون، كانت أصعب ما عاشته. وأرسلت حينها رسالة “وداع” إلى أولادها.
اقتادهم المسلحون إلى منزل بيسي كوهين المجاور، وانضموا إلى رهائن آخرين ليصبح العدد، وفق ما روت ياسمين، 15 رهينة، ونحو 40 مسلحاً من كتائب القسام.
من هم الرهائن الذي كانوا في منزل بيسي كوهين؟
كانت بيسي كوهين، مالكة المنزل، تستضيف شقيقتها هانا وزوج شقيقتها إسحق سيتون وابنهما تال.
عند اقتحام حماس المنزل، قُتل إسحق وجُرح تال.
وأحضر مقاتلو القسام الرهائن الآخرين من المنازل المجاورة إلى منزل بيسي، فانضمت ياسمين بورات، وتال كاتز، مع أدي داغان وزوجته هاداس.
وكان قد سبقهم زئيف، وزوجته زهافا هاكر، وآفا بن آمي، وهم يقطنون أيضاً بجوار منزل بيسي.
أمّا آيالا حرتزوني والطفلان التوأم يناي وليال حرتزوني (12 عاماً)، فاقتادهم المسلحون من منزلهم بعد مقتل جدّ الطفلين آفي خلال الهجوم، وفق ما ذكرت تقارير إعلامية.
بالإضافة إلى هؤلاء، شاب فلسطيني من القدس يدعى صهيب أبو عامر (22 عاماً)، وكان يعمل سائقاً في مهرجان نوفا الموسيقي، اقتاده مقاتلو حماس إلى بئيري ليساعدهم في الترجمة.
قبل أن يأخذوا صهيب معهم، اتصلوا بشقيقه للتأكد من هويته، وأخبروه بأنهم سيأخذونه معهم إلى غزّة.
بيسي كوهين (الأعلى من اليسار) وابن شقيقتها تال سيتون، وشقيقتها هانا وزوج شقيقتها إسحق سيتون
وصول الجيش الإسرائيلي
قالت ياسمين في المقابلات التي أجرتها، أنّ المسلحين لم يوجهوا سلاحهم إلى الرهائن، وطمأنوهم بأنهم لا يريدون قتلهم، وإنما أخذهم إلى غزّة.
طلب حسن – قائد المجموعة – من ياسمين الاتصال بالشرطة والإبلاغ عن وجود رهائن مع مقاتلي حماس وتحديد الموقع.
وهكذا فعلت، اتصلت بالشرطة وشرحت لهم الوضع، ثمّ أخذ حسن الهاتف، وطالب الشرطة بتأمين مخرج آمن لهم وللرهائن إلى غزة.
وقال إنّ معه نحو 50 شخصاً وإنه سيقتل أفراداً من الرهائن إن تعرّض لهم أحد في الطريق.
مرت ساعتان، لم يظهر أحد من الشرطة أو الجيش، فاتصلت ياسمين بهم مجدداً وطلبت مجيئهم.
أخرج المسلحون عدداً من الرهائن إلى باحة المنزل الخارجية، هم بيسي كوهين وهاداس وأدي داغان وتال كاتز وزئيف هاكر.
عند الساعة الرابعة، ظهرت آلية عسكرية إسرائيلية، ضمن قوات من “وحدة اليمام”، وبدأت بإطلاق الرصاص على المنزل، بحسب ما روت ياسمين في أكثر من مقابلة.
وقالت إنّ الأجواء توترت عند هذه اللحظة و”شعرنا بالخطر على حياتنا”.
وأضافت أنّ الجميع انبطح أرضاً: المقاتلون والرهائن. وشعرت ياسمين بألم شديد وسخونة في قدمها نتيجة احتكاك بشظية نتجت عن إطلاق النار على المنزل.
كيف خرجت ياسمين من المنزل؟
تبادل الجانبان إطلاق النار بكثافة أكثر من مرة.
كان حسن، قائد المجموعة يتحدّث طوال الوقت باللغة العربية عبر الهاتف، فهمت ياسمين في ما بعد أنه كان يتحدث مع الشرطة الإسرائيلية.
نادى حسن ياسمين وأمرها بالتقدم أمامه خارج المنزل وبدأ بخلع ثيابه. كان المقاتل ينفّذ تعليمات القوات الإسرائيلية التي طلبت منه الخروج مع ياسمين.
أكمل خلع ملابسه واستخدم ياسمين درعاً بشرياً، وبدأ بالتقدم ببطء نحو قوات الجيش الإسرائيلي واضعاً ذراعه حول عنقها.