تصاعد حدة التوتر بين الجزائر والإمارات العربية المتحدة
تصاعد حدة التوتر بين الجزائر والإمارات العربية المتحدة
اعداد/جمال حلمي
كشفت مصادر بعضها وسائل الإعلام المحلية، إلى تصاعد حدة التوتر بين الجزائر والإمارات العربية المتحدة. ورغم أن الحكومتين لم تعترفا بذلك علنًا، إلا أن العلاقات توترت بسبب مجموعة من الخلافات حول القضايا الإقليمية. فللطرفين وجهات نظر متعارضة بشأن الوضع في ليبيا والتطبيع مع إسرائيل من بين أمور أخرى. كما أن أبو ظبي قريبة بشكل ملحوظ من الرباط ، المنافس الرئيسي والجار للجزائر العاصمة. وفي الوقت نفسه، تنمو العلاقات الاقتصادية بين الجزائر والإمارات العربية المتحدة، مع احتمال تحسين العلاقات السياسية في المستقبل.
التوترات تغلي تحت السطح
منذ انتخابه رئيسًا للجزائر عام 2019، زار عبد المجيد تبون عددًا من دول الخليج العربية من بينها الكويت وقطر والمملكة العربية السعودية، لكن ليس الإمارات العربية المتحدة. وكان غياب الزيارات متبادلًا. فالرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من بين القادة القلائل الذين لم يحضروا قمة الجامعة العربية التي استضافتها الجزائر في نوفمبر الماضي.
وتشير سلسلة من التقارير وردت في وسائل إعلام جزائرية إلى توترات في العلاقات مع الإمارات. وفي يونيو ، تم التصويت على ترشيح الجزائر للانضمام إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كعضو غير دائم. وكان الاقتراع سريًا، لكن وسائل إعلام جزائرية زعمت أن الإمارات كانت واحدة من عدد قليل من الدول التي صوتت ضد القرار.
وفي وقت لاحق من الشهر نفسه، أفادت قناة النهار التلفزيونية الخاصة أن وزارة الخارجية الجزائرية منحت السفير الإماراتي 48 ساعة لمغادرة البلاد. وزعمت الصحيفة أن الجزائر اعتقلت “أربعة جواسيس إماراتيين يعملون لصالح الموساد الإسرائيلي”. لكن المسؤولين الجزائريين عارضوا التقارير الإعلامية بشدة. وسارعت وزارة الخارجية إلى إصدار بيان نفت فيه بشكل قاطع الادعاءات “الخاطئة والكاذبة” بشأن السفير الإماراتي. وفي نهاية المطاف، يبدو أن وزير الاتصال محمد بوسليماني حُمّل مسؤولية الحادث، حيث قام الرئيس تبون بإقالته بعد ساعات فقط من ظهور الخبر. كما حاولت الحكومتان تبديد الشائعات حول التصويت على عضوية الجزائر في مجلس الأمن الدولي، حيث أجرى وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان اتصالًا هاتفيًا بنظيره الجزائري أحمد عطاف لتهنئة الجزائر بمحاولتها الناجحة للانضمام إلى مجلس الأمن. وأعرب عطاف عن تقديره للدعم الذي تقدمه دولة الإمارات “الشقيقة”. لكن هذه الإجراءات فشلت في كبح الحديث عن القطيعة. وفي أواخر أغسطس ، زعمت صحيفة الشروق الجزائرية أن مسؤولين محليين رصدوا “تحركات مشبوهة” للملحق العسكري في سفارة الإمارات.
تحالفات ومواقف مختلفة
حتى قبل التوترات الحالية، كانت وسائل الإعلام الجزائرية تحفل بقصص العلاقات المتوترة. وانتقد عدد من الصحفيين صراحة ما زعموا أنها حملات تشهير ضد الجزائر من قبل وسائل الإعلام الممولة من الإمارات. كما أشارت بعض وسائل الإعلام إلى تقارير تزعم أن الإمارات تتآمر على الجزائر وتزود المغرب بمعدات تجسس. وفي هذا السياق، قال خبراء لموقع أمواج.ميديا إن الخلاف بين البلدين يعود جزئيًا إلى وجهات نظرهما المختلفة حول القضايا الإقليمية الرئيسية. وفي حديثه مع موقع أمواج.ميديا شريطة عدم الكشف عن هويته نظرًا لحساسية الموضوع، قال محلل سياسي جزائري إن العلاقات الثنائية “تشهد مستوى من الفتور الذي ينبع بشكل رئيسي من اختلاف المواقف”. وأوضح أن القضايا الرئيسية تشمل ليبيا، والتطبيع العربي مع إسرائيل، ونزاع الصحراء الغربية، مضيفًا أن “هذه الملفات تسببت في تعكير صفو العلاقات بين البلدين”. وأوضح المحلل أن أبو ظبي أقامت تحالفات مع من يشاركونها مواقفها في الشؤون الإقليمية. وأشار إلى أن القائمة تضم فرنسا وإسرائيل ومنافس الجزائر المغرب، مشددًا على أن “هذه المواقف تتعارض مع مصالح الجزائر ومواقفها، وهي… ضد مصالح الأمن القومي للجزائر”.
التهديدات والخطوط الحمراء بشأن ليبيا
إحدى القضايا الرئيسية التي عرقلت العلاقة بين البلدين هي ليبيا، حيث تقف الجزائر والإمارات العربية المتحدة على طرفي نقيض. وقال المحلل الجزائري إن أبو ظبي زودت الجنرال خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي المتمركز في طبرق، بالدعم المالي والإعلامي والعسكري والسياسي، معتبرًا أن ذلك “كان على وشك أن يغير خريطة المنطقة”. ويقال إن الدعم الإماراتي شمل حملة حفتر 2019-2020 للسيطرة على طرابلس وإزاحة حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الجزائر والمعترف بها دوليًا. وينبع موقف أبو ظبي من معارضتها لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الحركات الإسلامية، ولهيمنة هذه التيارات على حكومة الوفاق الوطني. وقد تبنت الجزائر موقفًا مختلفًا تمامًا. ففي أوائل عام 2020، أعلن تبون أن طرابلس “خط أحمر” بالنسبة للجزائر خلال اجتماع مع حكومة الوفاق الوطني. وبعد عام، صرح بأن بلاده “مستعدة للتدخل” لمنع سقوط العاصمة الليبية. علاوة على ذلك، وفي إشارة إلى الدعم الخارجي لحفتر، قال تبون إن “رسالة الجزائر وصلت إلى من يهمه الأمر”. فشلت حملة حفتر للاستيلاء على العاصمة الليبية. وفي الوقت نفسه، تم استبدال حكومة الوفاق الوطني بحكومة وحدة مؤقتة في عام 2021. لكن الخبير السياسي الجزائري قال مع ذلك إن أجندة أبو ظبي في شمال أفريقيا، بما في ذلك ليبيا، مستمرة. وهذا يؤرق الجزائر تمامًا. وفي إشارة إلى استمرار التوترات بشأن ليبيا، أفادت تقارير أن الإمارات لعبت دورًا فعالًا في منع تعيين وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم (2019-2021) مبعوثًا للأمم المتحدة إلى ليبيا في يونيو 2022.
الإمارات تقف إلى جانب المغرب
من جهة أخرى، لا يخفى على أحد قرب الإمارات العربية المتحدة من المغرب، منافس الجزائر. تقليديًا، تنظر أبو ظبي إلى الرباط كجزء من نادي الممالك العربية التي هي أيضًا عضو فيها. وكما قال المحلل السياسي الإسباني خوسيه لويس مانسيا لأمواج.ميديا: “ليس من السهل تبني موقف يرضي الجزائر والمغرب في نفس الوقت”. وتختلف أبو ظبي والجزائر أيضًا حول الصحراء الغربية، وهي المنطقة المتنازع عليها التي تصادمت الرباط وجبهة البوليساريو حولها منذ عام 1975. وتدعم الإمارات العربية المتحدة بقوة مطالبة المغرب بالمنطقة. وفي عام 2020، افتتحت أبوظبي قنصلية لها في مدينة العيون بالصحراء الغربية، لإظهار دعمها لمطالب المغرب. كما أن الجزائر هي من بين الداعمين الرئيسيين لما تصفه بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. وتستضيف الجزائر أكثر من 165 ألف لاجئ صحراوي على أراضيها، وتنشط جبهة البوليساريو في الدعوة إلى استقلال المنطقة. كما تختلف أبو ظبي والجزائر حول التطبيع العربي مع إسرائيل. وبعد تطبيع العلاقات مع تل أبيب بموجب اتفاقيات إبراهيم، كان لدولة الإمارات دور حاسم في إقناع المغرب بالموافقة على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في ديسمبر 2020. وذلك في حين تعارض الجزائر التطبيع، وتخشى أي وجود استخباراتي أو عسكري إسرائيلي محتمل على حدودها. وإزاء هذه الخلفية، شارك الجيش الإسرائيلي في مناورات عسكرية في المغرب في يونيو الماضي.
هل تساعد العلاقات الاقتصادية في إصلاح العلاقات السياسية؟
على الرغم من الجفاء السياسي الواضح بين البلدين، فإن العلاقات الاقتصادية آخذة في النمو بينهما. فقد ارتفعت التجارة غير النفطية بين أبوظبي والجزائر بنسبة 14 بالمائة في عام 2022، والهدف هو زيادة التبادلات التجارية السنوية بينهما إلى أكثر من مليار دولار أميركي. كذلك تشير الاستثمارات بين البلدين إلى وجود مصالح مشتركة. ففي عام 2021، بلغ إنفاق الإمارات في الجزائر نحو 600 مليون دولار. وشمل ذلك تمويل الكيانات النشطة في قطاعات الزراعة والطب والطاقة المتجددة والقطاعات العسكرية. وفي الوقت نفسه، يمتلك الجزائريون حصصًا كبيرة في مشاريع التمويل والتأمين والعقارات في الإمارات. وعلى خلفية ما تقدم، يبدو أن هناك مؤشرات على أن التحول في العلاقة بدأ يلوح في الأفق. وقد أثبتت أبو ظبي في الفترة الأخيرة قدرتها على تذليل الخلافات مع المنافسين الإقليميين عندما أصلحت العلاقات مع إيران وقطر وسوريا وتركيا. وقد تتبنى أبوظبي نفس النهج مع الجزائر. ويتوقع بعض المراقبين ألا يتأخر هذا الأمر. واعتبر المحلل السياسي ماسيا أن توصل الجزائر والإمارات إلى اتفاق هو “الأمر مسألة وقت لا أكثر”، مشددًا على أن “أبو ظبي تتقدم باتجاه ما يخدم مصالحها”. وإلى جانب رفع مستوى التجارة، يمكن أن يؤدي تحسن العلاقات السياسية بين الجزائر والإمارات إلى التنسيق بشأن القضايا الإقليمية المثيرة للخلاف مثل ليبيا. ويمكن أن يؤدي أيضًا إلى قيام الجزائر والإمارات بدعم بعضهما البعض في المحافل الإقليمية والدولية، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ولكن في حين أنه ليس من المستبعد توقع دفعة مستقبلية إيجابية من جانب الإمارات العربية المتحدة لتحسين العلاقات مع الجزائر، على الأقل في الوقت الحالي، إلا أن التوترات لا تزال تغلي تحت السطح.