أخبار العالم

جحيم ترامب و”إسرائيل الكبرى” ومشروع “برنارد لويس”

جحيم ترامب و"إسرائيل الكبرى" ومشروع "برنارد لويس"

 

هدد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حماس بالجحيم بسبب عدم الإفراج عن الرهائن، قائلًا: «هذا هو الإنذار الأخير عليكم مغادرة غزة والإفراج عن الرهائن وإلا فالجحيم» فيما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين لابيت: لقد تم تنسيق هجمات إسرائيل معنا، وأبواب الجحيم على وشك أن تنفتح والرئيس ترامب لا يخشى الدفاع عن حليفنا وصديقنا الأبدى إسرائيل.

كان ترامب قبلها هدد الشرق الأوسط كله بالجحيم عقب فوزه برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حين قال إن الفشل فى إطلاق سراح الرهائن سيؤدى إلى رد قاسٍ قائلًا: «إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن قبل 20 يناير 2025، وهو التاريخ الذى أعود فيه بفخر لمنصب رئيس الولايات المتحدة، فسيكون هناك جحيم يدفع ثمنه الشرق الأوسط».

كما هدد رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب الحوثيين بالجحيم إذا لم تتوقف هجماتهم على السفن الأمريكية والإسرائيلية فى البحر الأحمر، وذلك عقب عملية عسكرية قامت بها الطائرات الأمريكية بقصف الحوثيين، وقال ترامب فى منشور له على شبكته «تروث سوشال» للتواصل الاجتماعى «سنستخدم القوة المميتة الساحقة حتى نحقق هدفنا، إلى كل الإرهابيين الحوثيين، انتهى وقتكم، ويجب أن تتوقف هجماتكم، بدءًا من اليوم. إذا لم تفعلوا ذلك، فسينهمر عليكم الجحيم مثلما لم تروا من ذى قبل.

فيما قال نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيونى «سنفتح أبواب الجحيم على غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب»، فى حين قال وزير الدفاع الإسرائيلى، إسرائيل كاتز إن أبواب الجحيم ستفتح فى غزة ولن يتوقف القتال حتى يعود كل المحتجزين إلى ديارهم. وقال نائب رئيس الكنيست الإسرائيلى «يجب على الجيش الإسرائيلى قصف مخازن الطعام الذى أدخل إلى غزة لنجعلهم يشعرون أن أبواب الجحيم قد فتحت بالفعل، فما هو الجحيم الذى يقصده ترامب ونتنياهو ووزير دفاعه؟

عقب هذه التصريحات المتوالية بالجحيم استأنفت إسرائيل حربها على قطاع غزة، حيث شنت غارات واسعة على مناطق مختلفة فى القطاع أدت إلى مقتل أكثر من 400 فلسطينى حتى الآن منهية اتفاق الهدنة، ويبدو أن هناك جحيمًا فعليًا ينتظر الشرق الأوسط كما توعد ترامب ولا أدل على ذلك ما سارعت به إدارة ترامب من تسليم أسلحة بمليارات الدولارات إلى إسرائيل فى أقل من شهرين فى دعم غير مسبوق لإسرائيل، حيث قامت بتسليم صفقة أسلحة بقيمة 4 مليارات دولار إلى إسرائيل، مستخدمة سلطات الطوارئ لتجاوز مراجعة الكونجرس التقليدية لمثل هذا النوع من الصفقات حيث لغت الحظر الجزئى الذى فرضته إدارة بايدن على تصدير بعض الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل.

ووصف وزير الخارجية روبيو القرار بأنه تصحيح لمسار الإدارة السابقة، مؤكدًا أن ترامب هو أعظم حليف لإسرائيل فى البيت الأبيض، حيث وافق منذ وصوله إلى الرئاسة على صفقات عسكرية لإسرائيل تقترب من 12 مليار دولار.

كان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد أثار جدلًا كبيرًا بتصريحاته المستفزة والتى كان آخرها تصريحة عن مساحة إسرائيل قبيل الانتخابات الأمريكية، حيث قال ترامب فى كلمته أمام الجالية اليهودية فى حدث لإطلاق تحالف «أصوات يهودية من أجل ترامب» فى أمريكا هل هناك طريقة للحصول على المزيد من الأراضى لإسرائيل، لأنها «صغيرة» على الخريطة بالمقارنة مع الدول الأخرى فى الشرق الأوسط؟».
ثم كرر ترامب بعد عودته للبيت الأبيض تصريحاته حول مساحة إسرائيل قال فيها إن «مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة، ولطالما فكّرت كيف يمكن  توسيعها» وخلال إجاباته على الصحفيين فى المكتب البيضاوى رد ترامب بإجابة غامضة عندما سأله صحفى فى البيت الأبيض عما إذا كان يؤيد ضم إسرائيل إلى الضفة الغربية المحتلة؟، قال: «لن أتحدث عن ذلك، لكن مساحة إسرائيل صغيرة، إسرائيل دولة صغيرة جدا».

من المعروف أن المال اليهودى والصهيونية العالمية كانت الداعم الأول والسبب الرئيسى وراء فوز ترامب الذى جاء وفق صفقة بينة وبين الصهيونية العالمية، وكان الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن أعلن  أنسحابه من الترشح لانتخابات الرئاسه القادمة، ويبدو أن الانسحاب كان لتهيئة المسرح لعودة ترامب، حيث انسحب قبل بداية الانتخابات بفترة وجيزة ما أضعف فرص كمالا هاريس فى الفوز بالانتخابات وهيئ المسرح لفوز ترامب وبانسحاب بايدن تنتهى مرحلة من مراحل التمهيد والإعداد لـ«صفقة القرن» التى بدأت فى عهد ترامب لتأتى المرحلة الأهم وهى «التنفيذ» لذا كان متوقعًا عودة ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض لاستكمال «صفقة القرن».

كما أن بايدن كان يختلف فى الأسلوب فى إدارة الصراع فى الشرق الأوسط عن ترامب، وإن كان الهدف واحدا، فبايدن كان  يريد العودة إلى إدارة الصراع وليس إلى حله، وذلك عن طريق التنسيق الأمنى وبقية الالتزامات مع إسرائيل واستئناف العلاقات مع السلطة، والمساعدات للفلسطينيين فضلًا عن الغموض حول ما إذا كان سيعود بايدن إلى سياسة باراك أوباما بخصوص المنطقة العربية وثورات «الربيع العربى» وإعادة دمج الإسلام السياسى فى الحكم، وهل كان سيعيد الاتفاق مع إيران وإن كان بشكل جديد، ما سيكون له ارتدادات كبيرة على المنطقة. لكن هذه السياسه لا تتماشى مع العقليه الإسرائيلية التى ترفض ذلك فى الوقت الحالى، والتى تعتقد أن هذه المرحلة قد انتهت بالتالى انتهى معها دور بايدن لذا وجب عليه الانسحاب لتهيئة الأجواء لعودة ترامب لتنفيذ المرحلة الجديدة وهى «صفقة القرن».

ترامب لا يكتفى فقط بتأييد إسرائيل سياسيًا وعسكريًا فحسب، بل يؤيدها لأسباب عقائدية ودينية فاليمين الإسرائيلى المتطرف الذى يعمل على إقامة «إسرائيل الكبرى»، وطرح رؤيته التى تستهدف تصفية القضية الفلسطينية تمامًا، وتهجير سكانها والتى بدأت بحرب غزة وتبنى خطط مثل «الوطن البديل» للفلسطينيين عن طريق تهجيرهم، وخطة «الإمارات السبع» الإسرائيلية التى تقوم على فك وإعادة السلطة وتقسيم الأماكن التى تسيطر عليها السلطة، لكى تصبح فقاعات أو تجمعات عدة داخل الضفة يسهل التحكم بها، ما جعل ترامب مناسبًا لهذه المرحلة.

كما أن ترامب سوف يشجع إسرائيل على تهجير الفلسطينيين إلى سيناء والأردن وسوريا  وغيرها من الدول، حتى تستكمل الحركة الصهيونية تحقيق هدفها فى إقامة دولة يهودية نقية بأقلية فلسطينية مفككة، بما يمنع استمرار وجود حوالى 7 ملايين فلسطينى على أرض فلسطين ما يهدد إسرائيل اليهودية.

كما سيدفع ترامب تطبيع إسرائيل مع الدول العربية وخاصة السعودية إلى منتهاه، كما سيمضى فى العقوبات والعداء ضد إيران، وقد يصل إلى شن حرب ضدها وهذا ما تريده إسرائيل فى هذه المرحلة، وهو تكسير أذرع أيران فى المنطقة بالقضاء على حزب الله فى لبنان والحوثيين فى اليمن والحشد الشعبى فى العراق ثم قطع رأس الأخطبوط فى طهران والقضاء عليه، وقد يكون هذا هو الجحيم الذى توعد به ترامب منطقة الشرق الأوسط.
كما أن هناك سيناريو اتفقت علبه أمريكا وإسرائيل فى المنطقة فبالنسبة لحماس وحزب الله فعليًا أنهت إسرائيل كامل خططتها ضد حماس وحزب الله، ولكن بقيت بعض اللمسات الأخيرة لتحقيق هدفها بإعادة ما تبقى من المخطوفين الأحياء وجثث الأموات.
بالنسبة للبنان قامت إسرائيل بالقضاء على حزب الله وأجبرته على الانسحاب إلى جنوب نهر الليطانى وتقوم الآن على تقوية الدولة اللبنانية والجيش اللبنانى، وإنهاء اليونيفيل والاستعاضة عنه بالجيش اللبنانى أو جهة محايدة هى أقرب للشركات الأمنية الخاصة مع اقتطاع جزء من الحدود الشمالية اللبنانية لبناء منطقة عازلة.
وبالنسبة لسوريا أزاحت نظام «بشار الأسد» الداعم الأول لحزب الله والحليف الرئيسى لإيران فى المنطقة، كما قضت على مقدرات الجيش السورى بالكامل عبر 350 ضربة جوية فى 48ساعة واحتلت جبل الشيخ الذى يعد المنبع الرئيس لنهر الأردن والعديد من المجارى المائية فى المنطقة، فهو يتميز بثرائه بالمياه النقية الجارية وبموقعه الاستراتيجى، حيث يطل على خمس دول وهى سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وإسرائيل، كما احتلت جنوب سوريا وأصبحت على بعد 25 كيلو مترًا من العاصمة السورية دمشق.
أما بالنسبة لغزة فستكون على مرمى مرحلة جديدة ما بين التهجير والإعمار غير المرتبط بالفلسطينيين مع قوات متعددة الجنسيات تقودها أمريكا، وسيصبح لدى أمريكا قاعدة عسكرية جديدة فى الشرق الأوسط اسمها «غزة» مع اقتطاع شمال غزة لتكون منطقة عازلة.

وبالنسبة للضفة الغربية فقد انتهت فيها القضية الفلسطينية لتتحول إلى قضية اقتصادية لتجمعات سكانية ناطقة بالعربية فى «يهودا والسامرة» وهو المصطلح الذى أطلقت إسرائيل على الضفة الغربية وسيضخ أموالًا واستثمارات فيها، وستكون أوروبا وأمريكا والسعودية حاضرة فيها والسيادة قد تكون لإسرائيل مع وجود إدارة خدماتية لوجسيتية وربما يتبؤها فلسطينيون من حملة الهوية الإسرائيلية أى من القدس أو عرب 48.
خلفيات الدعم الأمريكى للكيان الإسرائيلى، والتى عاد ترامب إلى البيت الأبيض لتطبيقها واضحة جدًا وتصل الى حد التطابق الاستراتيجى فى المخططات مع المشروع الصهيونى الخطير الذى اقترحه المؤرخ الصهيونى الأمريكى الشهير «برنارد لويس»  ونشرته مجلة «إكسكيوتف  بروجكت» التى تصدرها وزارة الدفاع الأمريكية فى يونيو سنة 2003، والذى اقترح فيه تقسيم الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دويلة اثنية ومذهبية لحماية المصالح الأمريكية وإسرائيل، والذى يعتبر المخطط الذى وعد ترامب بتنفيذه حال وصوله للسلطة حينما تساءل مستنكرًا «هل هناك طريقة للحصول على المزيد من الأراضى لإسرائيل لأنها «صغيرة» على الخريطة بالمقارنة مع الدول الأخرى فى الشرق الأوسط؟».
ويتضمن المخطط تجزئة العراق إلى ثلاث دويلات، وإيران إلى أربع، وسوريا إلى ثلاث، والأردن إلى دويلتين، ولبنان إلى خمس دويلات، وتجزئة السعودية إلى ثلاث دويلات، والسعى الحثيث لتجزئة مصر إلى أربع دويلات: قبطية فى الشمال وعاصمتها الإسكندرية، ونوبية عاصمتها أسوان فى الجنوب، ومسلمة عاصمتها القاهرة، ورابعة تحت النفوذ الإسرائيلى.
ويرى «برنارد لويس» أن كل الكيانات ستشلّها الخلافات الطائفية والمذهبية، ومن هنا جاءت فكرة القتال بين السنة والشيعة بتغذية الخلاف بينهما وتأجيج الفتنة وما يحدث فى سوريا الآن ليس ببعيد عن ذلك ففجأة ظهر جيش تحرير الشام «جيش سوريا» وكان تسليحه أمريكى تركى أوروبى باعتباره جيش السنة، وفى المقابل سيكون جيش «العراق إيران» والذى تناصره إيران وروسيا وميليشيات الحشد الشعبى من العراق وحزب الله فى لبنان، وهو جيش شيعى ويحدث الصراع والصدام بين الجيشين السنى والشيعى والمستفيد الأول هو إسرائيل.

لأنها بهذا الصراع تصرف الأنظار عما يحدث فى غزة ويبعد الضوء عنها تمامًا رغم أنها هى أصل الصراع وبصمت وبعيدًا عن الإعلام سيبدأ تهجير الفلسطينيين من غزة فيما يطلق عليها «الحرب الصامتة»، كما سيكون هناك صراع على النفط والمياه والحدود والحكم بين كل هذه الكيانات، وهذا ما سيضمن تفوّق إسرائيل فى الخمسين عامًا القادمة على الأقل.

مشروع برنارد لويس الصهيونى الأمريكى يتضمن تقسيم الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دويلة إثنية ومذهبية وطائفيه تقتتل فيما بعضها البعض لحماية المصالح الأمريكية وإسرائيل، حيث تسعى إسرائيل إلى تضخيم مشكلة الأقليات العرقية والدينية واستغلالها ضد أى مشروع وحدوى، وحضّها على التمرد والانفصال، وهذا ما نراه فى لبنان وسوريا والعراق واليمن حيث إن الموقف الصهيونى من الأقليات فى الوطن العربى مبنى على أساس شد الأطراف ثم بترها، بمعنى مد جسور العلاقة مع الأقليات، ثم جذبها خارج النطاق الوطنى، ثم تشجيعها على الانفصال
خطورة المشروع الصهيونى، أنه يتعدى فلسطين ليمسّ الأمن القومى العربى بأكمله لذا فعلى العرب والمسلمين أن يتحمّلوا مسئولياتهم فى مواجهة هذا الكيان الغاصب لأن المشروع الصهيونى غير معنى فقط بإنشاء دولة يهودية فى فلسطين، وإنما معنى أيضًا بإضعاف العالم العربى وتمزيقه وتجزئته وإبقائه فى دائرة التبعية والتخلف.
وهو يثبت أن نجاح المشروع الصهيونى فى فلسطين واستمراره مرتبط ببقاء ما حوله من بلاد عربية ضعيفة ممزقة مختلفة، وأن قوة العرب والمسلمين ووحدتهم وتقدمهم يعنى إضعاف هذا الكيان الغاصب وزواله. وأن الكيان الإسرائيلى لا يمثل خطرًا على الفلسطينيين وحدهم، وإنما يستهدف عناصر القوة والنهضة فى الأمة العربية، فهل هذا هو الجحيم الذى توعد به ترامب وكرره كل من نتنياهو ووزير دفاعه وينتظره الشرق الأوسط؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى