تلك المرحلة السياسية الحرجة التى تمر بها ليبيا تعد ناقوس خطر شديد للعد التنازلى نحو استقرار الحياة السياسية التى سوف تتشكل بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بنهاية هذا العام، لإطفاء جذوة الإرهاب التى تذهب رويدا رويدا،والتى كانت بدايتها ذلك الانفتاح الذى قامت به الدولة المصرية على الغرب الليبي لملء الفراغ الذى حاولت تركيا تحويله إلى فوضى،وذلك من خلال المناقشات التى دارت بين القاهرة والحكومة الليبية الجديدة برئاسة عبد الحميد دبيبة لإعادة فتح السفارة المصرية بطرابلس،إلى جانب ذلك الاجتماع الذى جمع بين رئيس المجلس الرئاسى الجديد محمد المنفى بالرئيس السيسى،بأول زيارة خارجية للمنفى بعد توليه رئاسة المجلس،مما يؤشر لرغبة مصر بمد جسور التواصل مع الغرب والشرق لعدم إحداث نوع من النميمة السياسية التى قد يستغل البعض لصالحه،فى وقت تمثل فيه القاهرة ربان وصول الحل السلمى إلى بر الأمان يخيم انتخاب رئيس لليبيا وبرلمان تشريعي جديد.
حيث صرح مدير التوجيه المعنوى بالجيش الليبي خالد المحجوب أنهم لن يسلموا رئاسة الجيش إلا إلى رئيس منتخب من قبل الشعب الليبي،مؤكدا أن الحكومة الانتقالية الحالية هدفها تحقيق الانجازات النيابية والرئاسية المقرر لها نهاية هذا العام،مضيفا عمليات تدفق المرتزقة والميليشيات من قبل تركيا يوميا إلى ليبيا،إلى جانب وجود سلاح خارج سيطرة الدولة،سوف يفرض بدوره ضرورة وجود جيش قوى ومنظم بالساحة الليبية.
فيما أفادت مصادر عن وجود نزاع بشأن الحقائب الوزارية الليبية الجديدة التى يسعى رئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة لتشكيلها،وتضيف تلك المصادر أن الحكومة الليبية تسعى لمنح الغرب الليبي حقائب الاقتصاد و الخارجية و الداخلية،بينما تدرس منح وزارة الدفاع إلى جنوب ليبيا بسبب التنازع بين الغرب والشرق بشأنها،يأتى ذلك على خلفية دعوة رئيس البرلمان الليبي للحكومة الليبية على ضرورة تحقيق التمثيل العادل بالحقائب الوزارية للأقاليم الليبية الثلاث،فى وقت يسعى فيه عبد الحميد دبيبة لإختيار الوزراء الجدد للتصويت عليهم من قبل البرلمان.ومن هذا المنطلق يمكننا التأكيد على وجود استراتيجية حقيقية للجيش الليبي تستهدف تمدد الخط الأحمر الذى رسمته القاهرة،وذلك عبر الحفاظ على مكتسباته التى تتضمن ضرورة تفكيك التواجد العسكرى بليبيا من قبل الأتراك ،وهذا ما تجلى بمرجعية حل الأزمة التى تضمنت ببنود اتفاق القاهرة و مبادرة برلين١و٢،فالعملية السياسية الانتقالية الجديدة التى تزين المشهد الليبي تمتعت بحصانة إقليمية للخروقات التى قد يسعى البعض لافتعالها،بهدف عودة الوضع الليبي إلى المربع الأول،وذلك بفشل نظرية الحلول السياسية لتلك الأزمة من أجل توفير غطاء شرعى للحلول الأمنية والعسكرية على المستوى الدولى والإقليمى كذلك، فالمؤسسة الليبية العسكرية بدأت تتعامل بحذر شديد جراء تغير الموقف الدولى بشأن الأزمة الليبية،فى وقت تسعى فيه أنقرة للتقارب مع أمريكا عبر حدوث تفاهمات حول منظومة أس ٤٠٠ الروسية، وما قد يستتبع ذلك من تعاون ثنائى مع تركيا أو تغير معاكس باتجاه الجيش الوطنى الليبى،الذى نجح وبقوة فى استخدام استراتيجية النفط مما منحه امتياز شرعية الحماية كاعتراف دولى بسياسات المشير حفتر،والذى ألقى بظلاله بشأن لعب الجيش الوطنى الليبي لدور بالعملية الانتقالية الحالية تبلورت ملامحها بشرعية حماية جديدة للحفاظ على الموكب السياسى الذى افتتحته القوى الدولية الفاعلة بالأزمة،والذى بدوره سوف يصب فى وجود نوع من الدعم الدولى لوضع حد لتلك لميليشيات الإرهابية بليبيا،فرغبة الجيش الليبى لتسليم قيادته إلى الرئيس المنتخب ،يشى بتعقيدات واختلالات بالتركيبة السياسية المعادلة الليبية الحالية،قد تسببه رغبة الحكومة الليبية فى سرعة حسم التشكيل الحكومى الجديد،وسط ضغوط كبيرة يحتل عامل الوقت أبرز معالمها، تستهدف تمهيد البنية السياسية لكى تكون مؤهلة الاستحقاقات النيابية والرئاسية خلال شهر ديسمبر من هذا العام ،مما يعنى خنق سياسى وعسكري من قبل المشير حفتر للإخوان الذى يجسدون الرئة الثالثة لطموح أردوغان التوسعى بليبيا،فبذلك يقطع الطريق على سيطرة الإخوان على المشهد برمته وكذلك يساعد ذلك فى نزع دوافعهم نحو إندلاع حرب جديدة،فهم من تحكمهم أيديولوجيا الحكم أو الدم، فدعونا لا ننسى ذلك.