حطم عالم الأحياء الجزيئي الدنماركي الشاب نيكلاس برندبورج عددا من الأساطير الشائعة حول مكافحة الشيخوخة، كاشفا بالأدلة أن الكثير مما يتم الترويج له في مجال الحفاظ على الصحة لأطول فترة ممكنة مع التقدم في العمر ربما يؤدي إلى نتائج عكسية.
وفقا لما نشرته « التايمز » البريطانية، فإنه إذا تم شفاء جميع أنواع أمراض السرطان غدًا، فإن متوسط العمر المتوقع للإنسان سيرتفع بما يزيد قليلاً عن ثلاث سنوات. وإذا تم العثور على علاج لأمراض القلب، فسيفوز البشر، في المتوسط، بأربع سنوات إضافية. ولكن إذا تمكن العلماء من إبطاء الشيخوخة، فربما تتحسن الأمور بشكل جذري. لأن الشيخوخة، بحسب برندبورج، هي « السبب النهائي » للمرض، أو بتعبير آخر إن الشيخوخة هي الباب، الذي يبقى مفتوحًا على نطاق أوسع بمرور الوقت حتى نهاية الحياة.
يقول العالم برندبورج، الذي يقوم بتحضير رسالة الدكتوراه حاليًا، إلى جانب تأليفه كتاب Jellyfish Age Backwards: Nature’s Secrets to Longevity، الأكثر مبيعًا في الدنمارك العام الماضي، إن محتوى الكتاب لا علاقة له بقنديل البحر، الذي يتصدر عنوان الكتاب، عدا الإشارة إلى القدرة الاستثنائية لنوع واحد من الكائنات الحية على العودة من مرحلة البلوغ إلى مرحلة الزوائد اللحمية، أو كما لو أن الفراشة يمكن أن تعود إلى طور الدودة.
بدعة الصيام المتقطع
في كتابه، يعطي برندبورج مثالًا لما وصفها بالبدعة الحديثة وهي الصيام المتقطع، والتي تم الترويج لها على نطاق واسع، قائلًا إن النتائج صحيحة بالفعل، فعندما يتم تجويع الفئران والجرذان في المختبر، فإنها تعيش لفترة أطول بنسبة 20 إلى 40%.
كما أنها تتمتع بالخصوبة لفترة أطول وتصبح أجهزتها المناعية أكثر قوة وتصاب بعدد أقل من السرطانات وتبدو أصغر سنا أيضًا. ولكن تبقى هناك مشكلة أساسية تتمثل في أنه كلما طال عمر حيوان التجارب فإن فاعلية الصيام المتقطع تقل. ويشير برندبورغ إلى أن تلك المشكلة تواجه الكثير من الأبحاث الحديثة لمكافحة الشيخوخة، والتي يجب أن تبرز كلمة أساسية هي أن النتائج تنطبق على حيوانات التجارب وربما لا تؤدي إلى فوائد للجسم البشري بل وربما تتسبب له في الضرر.
مكملات مضادات الأكسدة
يشرح برندبورج قائلًا إن نتائج بعض الأبحاث تشير إلى أن إطالة التيلوميرات يمكن أن تسهم في الحياة لسنوات أكثر، موضحًا أن إطالة التيلوميرات، لسوء الحظ، تعزز السرطان، لأن من بين الخلايا التي تطيل حياتها إلى أجل غير مسمى، بهذه الطريقة، تُعرف باسم الخلايا السرطانية.
وبالمثل، بحسب ما ذكره برندبورغ، فإنه ربما يكون من المناسب أيضًا تجنب تناول المكملات المضادة للأكسدة، والتي كانت
ولا تزال في بعض الأحيان – توصف بأنها وسيلة دفاع ضد الشيخوخة، شارحًا أن مضادات الأكسدة تم تصميمها لمكافحة « الإجهاد التأكسدي »، وهو نوع من تلف الخلايا الذي يزداد سوءًا مع التقدم في العمر، إلا أن مكملات مضادات الأكسدة فقدت مصداقيتها على نطاق واسع، لأنه، في المتوسط، تبين أن بعض الأشخاص الذين يتناولونها يتوفون في وقت مبكر، بل ويبدو أنهم أكثر عرضة لبعض أنواع السرطان.
تأثير غريب للحديد
ويقول برندبورج إنه ربما يرغب البعض في تجنب تناول الفيتامينات المتعددة أيضًا، حيث يبدو أنها تتسبب في وفيات مبكرة لبعض الأشخاص. ويمكن أن يكون الحديد الموجود في معظم المكملات الغذائية وراء هذا التأثير الغريب. يضيف برندبورغ قائلًا إن الحديد « يعمل تقريبًا كسماد لنمو البكتيريا »، مما قد يفسر سبب أن المتبرعين بالدم يميلون إلى العيش لفترة أطول، لأنهم يتخلصون من الحديد الزائد.
التبرع بالدم
ويرى برندبورج أن التبرع بالدم يعد مفتاحًا رئيسيًا لمحاربة الشيخوخة لأنه يعني في الأساس جعل الجسم أقوى من خلال تحدي أنظمته بشكل متكرر بطرق صغيرة، معتبرًا أن فقدان الدم هو أحد الطرق لتحدي أنظمة الجسم.
الألياف والثوم
ويكشف برندبورج أن مركب البوليفينول، وهو من المغذيات الدقيقة التي نالت استحسانا كبيرا ويتوافر في الكثير من الفاكهة والخضروات، هو في الواقع شديد السمية، ويكون مفيدًا للجسم البشري بحسب الجرعة المناسبة فقط.
وبغض النظر عن البوليفينول، فإن برندبورج متشكك بشأن النصائح الغذائية، باستثناء الألياف والثوم، التي يشير إلى قدرتها على خفض الكوليسترول الضار LDL. ويشرح برندبورغ أن الادعاءات حول الأطعمة الفائقة « غالبًا ما تكون خاطئة »، أو تستند إلى جرعات لا يمكن للشخص تكرارها بأمان في نظام غذائي، لدرجة أنه لديه شكوكًا حول الفوائد التي يروج لها كثيرًا مثل زيوت السمك أوميجا-3.
الجينات الوراثية
يذكر برندبورج أن هناك اعتقاد خاطئ آخر وهو أن الجينات الوراثية لها تأثير كبير على حياة الشخص، مؤكدًا أنه تبين أنها كلها غير ذات صلة.
ويقول برندبورج أنه يبدو أن العيش على ارتفاعات عالية يساعد، ربما بسبب انخفاض الأكسجين ومستويات الإشعاع الأعلى، على إفراز الجسم لمزيد من الهرمونات بما يساعد على الاستمتاع بصحة أفضل.
فيروس CMV
ويكشف برندبورج عن حقيقة أن التطعيم يساعد، بصرف النظر تمامًا عن الفوائد الصحية المباشرة، في عدم الموت بسبب المرض، وانتشار القليل منه بما يمكن أن يفسر لماذا يبدو الناس أصغر سنًا مما كانوا عليه من قبل، حيث أنه كان عليهم محاربة عدد أقل من عدوى شيخوخة الأجهزة. واستشهد برندبورغ بنتائج بعض الأبحاث المثيرة حول الفيروسات الشائعة مثل الفيروس المضخم للخلايا، أو CMV، والذي يعاني منه الكثيرين دون أن يعرفوا ذلك، ودون أن يعرفوا أنه يؤدي إلى تسريع الشيخوخة. ومن المحتمل ألا يعاني المصاب بالفيروس CMV من أعراض، لكن تصاب الأجهزة المناعية بالإرهاق والإنهاك بسبب محاربة الفيروس.
التمارين الرياضية
يقول برندبورج إنه إذا كان الشخص يرغب حقًا في تحسين فرص في الحياة لعمر أطول بصحة أفضل، فعليه بممارسة التمرينات الرياضية، فوفقًا لإحدى الدراسات إن ممارسة التمرينات الرياضية تجعل الأشخاص أقل عرضة للوفاة بنسبة 80 %. ويوضح أنه حريص بشكل خاص على التدريب المتقطع عالي الكثافة، حيث تتناوب دفعات من النشاط مع فترات راحة قصيرة، مما يسمح للشخص ببذل مجهود أكبر، وإن كان ذلك بجرعات أصغر.
رفع الأثقال والسباحة
كما يوصي برندبورج بممارسة التمرينات الرياضية العادية ورفع الأثقال، موضحًا أنه بحلول سن الثمانين، يفقد الجسم ما يقرب من نصف كتلة العضلات في المتوسط. لذا، يعد رفع الأثقال – بأحجام مناسبة – أفضل طريقة لمحاربة فقدان العضلات، كما أنه يبطئ الانخفاض الحتمي في كثافة العظام مع التقدم في العمر، والذي يشكل خطرًا خاصًا على النساء الأكبر سنًا.
يشير برندبورج إلى أن فوائد ممارسة التمارين الرياضية تمتد إلى المستوى الخلوي، حتى أنها تحفز الميتوكوندريا المجهرية، التي توفر الطاقة الكيميائية داخل كل خلية من خلايا جسم الإنسان، منوهًا إلى أن السباحة في الماء البارد لها نفس التأثير.