(سقطت على يديه أكبر شبكة تجسس فى التاريخ)..وقصته مع المخابرات
(سقطت على يديه أكبر شبكة تجسس فى التاريخ).وقصتة مع المخابرات
توفىعن عمر يناهز 82 عامًا، بعد صراع مع ومن مواليد حي الغورية 1938،فى القاهرة، والده كان يعمل تاجرًا للأثاث وكان محبًا للفن وصديق لمجموعة من كبار الشعراء والملحنين مثل (زكريا أحمد، بيرم التونسي، أحمد رامي).
درس في كلية الفنون الجميلة وبدأ تعلم اللغة الإيطالية بها، واستمر في تعلمها بعدما ألغيت اللغة الإيطالية من الكلية في مدرسة لتعليم الأجانب والمصريين، ثم دعاه المستشار الإيطالي في مصر لبعثة دراسية إلى إيطاليا، وهناك ذهب لاستكمال دراسته بمدينة بيروجيا الإيطالية عام 1958 وعمره عشرون عامًا حيث درس وعمل بالرسم والموسيقى وغنى في فناء الجامعة .
وقد أشار الإسكندرانى إلى إن عمله مع المخابرات مرحلة أساسية وفارقة فى حياته مؤكدا أن أحد أجداده كان يهوديا واعتنق الإسلام. وحاول أحد الإسرائيليين تجنيديه أثناء دراستيه فى إيطاليا، وساهم فى إسقاط 6 شبكات تجسس إسرائيلية فى مصر.
بدأت قصة محاولة الموساد تجنيده عندما ذهب في منحة دراسية الي إيطاليا وتحديدا في مدينة “بيروجيريا”عام 1958 وكان وقتها في العشرين ،ولكنه كان مختلفا بعض الشيء عن الشباب المصريين فقد كان يتحدث خمس لغات وكان يبدو عليه التحرر والحماس والانطلاق، كان يجيد الرقص والغناء ويرسم بورتريهات في الشارع، ما خدع الموساد وشجعهم لتجنيده في شبكاتهم الجاسوسية، وكان ممن وقع عليهم اختيارهم حيث تصوروا ان سلوكه المتحرر لا ينتمي للنموذج المصري المتحفظ الذي اعتادوه في الشباب المصريين.
وذات يوم فى ايطاليا التقى سمير بشاب يدعى سليم فى الجامعه الذى كان يبهر الجميع بذكائه وباتقانه لعده لغات بطلاقه منها العربيه وعلي الرغم من انبهار سمير بهذا الشاب في البداية إلا أن شيئا ما بعث الكثير من الحذر في أعماقه خاصة بعد تحركاته المريبه ومعرفة سمير بموضوع جواز سفره الامريكى على خلاف ادعائه بانه عربى ، فى هذه اللحظه استفاد سمير بما تعلمه من قبل عن طبائع المجتمع الاوريى واليهودى من سابق معاشرته لهم بالقاهره واستطاع ان يخدع سليم ليعرف نواياه ليدعي أن جده الأكبر كان يهوديا، واسلم ليتزوج من جدته، ولكن أحدا لم ينس أصله اليهودي، مما دفع والده إلي الهجرة للقاهره ، حيث عرف أمه، ذات الطابع اليوناني، وتزوجها، وانه أكثر ميلا لجذوره اليهودية.
حينها سقط سليم في فخ الثعلب، وأندفع يقول في حماس: “كنت أتوقع هذا.. أنا أيضا لست مصريا يا سمير أنا يهودى” وقدمه سليم بعد ذلك الى “جوناثان شميت” ، الذي لم يكن سوى أحد ضباط الموساد الإسرائيلي وهنا ايضا قام سمير بخداعه مجددا واوهمه بكراهيتة للنظام فى مصر وسخطه منه بحكم نشأته وكذلك بحبه الشديد للمال.
وعاد سمير إلي مصر ويروى سمير الاسكندرانى بنفسه ما حدث عند نزوله مصر فيقول:” بمجرد ان وصلت الباخرة إلي الاسكندرية أخذت سيارة أجرة الي القاهرة وذهبت فورا الي بيتي وبمجرد ان رآني والدي اندهش جدا، فحكيت له كل ما حدث لي وتعرضت له في ايطاليا فساعدني عن طريق صديق له سبق أن اشتري منه موبيليا وكان هذا الرجل وكيل المخابرات العامة فاتصلنا به وحكيت له ما مررت به ولكنه تحدث معي بعدم اكتراث وطلب مني أن أمرعليه وهو يضحك فقلت له انني لن أمر عليه ولكنه اذا أراد ان يعرف الحقيقة فعليه ان يقابلني في جروبي وتكون معه سيدة تبدو كأنها زوجته، هنا تغيرت لهجة الرجل وبدا أكثر حزما لأنه أدرك أنني مدرب فعلا والأمر خطير وبعد ساعة تقريبا تقابلنا في جروبي وكأنها صدفة انا وهو وتلك السيدة وسلمنا علي بعض وكأننا نعرف بعضا من زمان وسألني انت فين ووصلت مصر امتي واخذني معه في سيارته ووجدت نفسي في مبني انيق بمصر الجديدة ودخلنا مكتب قابلت فيه ضابطا قدم نفسه لي باسم جعفر وعندما طلب مني ان يعرف حقيقة الأمر قلت له انا لا اعرف حضرتك ولا اعرف الباشا وكلامي معناه حياتي ورقبتي لذلك انا لن اتحدث إلا مع الشخض الذي اعرفه وعندما سألوني من الذي تعرفه؟ قلت لهم الرئيس جمال عبدالناصر”.ويستطرد الاسكندرانى :”حاول الرجلان ان يقنعاني بالحديث ولكنني رفضت تماما فقالا لي لو غيرت رأيك اتصل بنا وغادرت المخابرات وبعد شهرين اتصلت بي المخابرات المصرية وطلبوا مني الذهاب اليهم في موعد ومكان محددين فذهبت في الموعد بالضبط واخذوني معهم الي فيلا بسيطة بمصر الجديدة ودخلنا صالونا به صور للرئيس جمال عبدالناصر واولاده وصورة للرئيس محمد نجيب وبعد فترة اظنها لا تتعدي ربع ساعة دخل علينا الرئيس جمال عبدالناصر فهجمت عليه وقبلته وحاولت تقبيل يده ولكنه رفض فقلت له انا محتاجلك انا في مشكلة كبيرة فقال لي: “صلاح ابلغني عنك كلام كويس قوي علشان كده قابلتك وكفاية انك جئت لنا بنفسك” ، وعرفت ان الفترة التي تركوني فيها قام رجال المخابرات بعمل مسح شامل عني وعن عائلتي وحكيت للرئيس كل ما تعرضت له في ايطاليا فأعطي اشارة البدء لصلاح نصر للتعامل معي وكانت الوسيلة التي استقرت عليها المخابرات هي ان استمر في العمل مع المخابرات الإسرائيلية.
وأكمل سمير:” اطلعت الرئيس على كل ما لدى وعلى تخطيطهم المتمثل فى اولا اغتيال المشير عبدالحكيم عامر بعد ان فشلت محاولاتهم لنسف طائرة “اليوشن 14” عام 1956 في الجو والتي كانو معتقدين انه بداخلها وكانوا يجندون لتلك العملية جاسوسا مصريا اسمه “ابراهيم رشيد” أما الأخطر فهو اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر عن طريق وضع سم طويل المدي في طعامه خاصة انه كان يمثل الخطر الرئيسي علي اسرائيل علي حسب قول” اسحاق رابين” رئيس وزراء اسرائيل وقتها.
وبعدما اطلع ناصر على كل شئ اخبره بقوله:” أعتقد أن دورك لم ينته بعد ياسمير.. أليس كذلك”؟ أجابه الشاب في حماس شديد:” أنا رهن إشارتك يا سيادة الرئيس، ودمي فداء لمصر”، وكان هذا إيذانا ببدء فصل جديد من المعركة
كان سمير ثعلبا حقيقيا، أستوعب الأمر كله والتدريبات كامله في سرعة وإتقان، وبرزت فيه مواهبه الشخصية، ةقدرته المدهشة علي التحكم في انفعالاته، وبراعته في التعامل مع العدو وخداعه فى نقل المعلومات بحنكه وكانت نوعية معلوماته صحيح هامه ولكنها تقليديه حتى لا تثير شكوك العدو بالتعاون مع المخابرات المصريه.
وكانت أهم مرحلة والتى قطعت اى شك ادتجاه سمير رفضه بذكاء شديد عملية تجنيد احد اقاربه العسكريين وانها أكبر من امكانياته ووقع “جوناثان” اكثر فى الفخ ،وحان وقت جنى الثمار وايقاع الشبكات واحدة تلو الاخرى، فطوال الوقت كان سمير يشكو في خطاباته الي “جوناثان” من احتياجه الشديد للمال، ويهدد بالتوقف عن العمل، وفي الوقت نفسه كان يرسل لهم عشرات المعلومات والصور، التي سال لها لعابهم.
فطلبوا منه استئجار صندوق بريد، ووصل ثلاثة الآف دولار داخل عدة مظاريف وصلت كلها من داخل مصر، لتعلن عن وجود شبكة ضخمة من عملاء إسرائيل، تتحرك في حرية داخل البلاد وتستنفذ أسرارها، فبدأت خطة منظمة للإيقاع بالشبكة كلها ، واستكمل سمير الخطه عندما طُلب منه ارسال افلام مصورة أعلن خوفه خشية أن تقع في أيدي الجمارك ورجال الرقابة فأرسل إليه “جوناثان” رقم بريد في الإسكندرية، وطلب منه إرسال طرود الأفلام إليه، وبدأت خيوط الشبكة تتكشف شيئا فشيئا، لقد كانت أضخم شبكة تجسس عرفها التاريخ، ومعظمها من الأجانب المقيمين في مصر الذين يعملون بمختلف المهن، وفقًا لـ”المجموعة 73 مؤرخين”
وأدركت المخابرات المصرية أنها أمام صيد هائل، يستحق كل الجهد المبذول وقررت أن تعد خطتها بكل دقة وذكاء وتستعين بقدرات سمير الثعلبية، لسحق الشبكة كلها دفعة واحدة، واستطاع سمير إقناع المخابرات الإسرائيلية بإرسال واحد من أخطر ضباطها إليه في القاهرة، وهو موسى جود سوارد، الذي وصل متخفيا، ولكن المخابرات المصرية راحت تتبع خطواته في دقة مدهشة، حتى توصلت الي محل إقامته، والي اتصالاته السرية برجلين هما “رايموند بترو”، الموظف بأحد الفنادق “وهيلموت باوخ”، الدبلوماسي بأحدي السفارات الأوروبية.
وبضربة مباغته ألقت المخابرات المصرية القبض علي موسى وتحفظت عليه، دون أن تنشر الخبر، أو تسمح للآخرين بمعرفته، وتمت السيطرة عليه ليرسل خطاباته بنفس الانتظام الي الموساد، حتى يتم كشف الشبكة كلها، والإيقاع بكل عناصرها، وراح عملاء الشبكة يتساقطون واحد بعد الأخر، والحقائق تنكشف أكثر وأكثر، ثم كانت لحظة الإعلان عن العملية كلها، وجاء دور الإسرائيليين لتتسع عيونهم في ذهول، وهم يكتشفون أن الثعلب المصري الشاب سمير الاسكندراني قد ظل يعبث معهم ويخدعهم طوال عام ونصف العام، وانه سحق كبريائهم بضربة ذكية متقنة، مع جهاز المخابرات المصري، الذي دمر أكبر وأقوي شبكاتهم تماما، وفكروا في الانتقام من الثعلب بتصفية شقيقه سامي، ولكنهم فوجئوا بان المخابرات المصرية قد أرسلت احد أفضل رجالها لإعادته من النمسا، قبل كشف الشبكة، وكانت الفضيحة الإسرائيلية عالمية، ونصرا مصريا كبيرا واستمع سمير إلي التفاصيل وهو يبتسم، لقد دعاه الرئيس جمال عبد الناصر، ليكافئه علي نجاحه في تلك اللعبة، عندما تسبب نجاحه في استقالة مدير المخابرات الإسرائيلية “هرطابي’ .
رحم الله “ثعلب المخابرات”والفنان الجميل ” سمير الاسكندرانى “الذى كرس نفسه وفنه فى حب مصر.