تنهال الانتقادات الأمريكية على إدارة الرئيس جو بايدن بشأن تصاعد الهجمات على القوات والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وكان آخرها وأخطرها مقتل ثلاثة جنود وجرح 40 آخرين في هجوم بطائرة مسيرة على قاعدة أمريكية صغيرة شمال شرق الأردن الأحد الماضي.
ورجح مسؤولون أميركيون في تصريحات لشبكة “سي إن إن” أن يكون الرد الأمريكي على الهجوم الأخير أقوى من الضربات الانتقامية الأمريكية السابقة في العراق وسوريا.
ويتعرض الرئيس جو بايدن لضغوط متزايدة للرد بطريقة توقف هذه الهجمات في الشرق الأوسط وتأمين الملاحة في البحر الأحمر.
واستهدفت ميليشيات مسلحة تقول واشنطن إنها موالية لطهران، المنشآت العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا أكثر من 165 مرة منذ أكتوبر، كما تعرضت عشرات السفن في البحر الأحمر لهجمات من الحوثيين رغم تشكيل الولايات المتحدة تحالفاً دولياً وتنفيذها سلسلة ضربات ضد الحوثيين.
ودعا العديد من المشرعين الجمهوريين الولايات المتحدة إلى ضرب داخل إيران مباشرة لإرسال رسالة واضحة، إلا أن إدارة بايدن تعمل على صياغة رد يكون موجعاً من دون أن تخاطر بفتح جبهة حرب.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي في مقابلة مع شبكة “سي إن إن”، إن الرئيس بايدن سيرّد بالطريقة الملائمة، مضيفًا “لكننا لا نسعى إلى حرب مع إيران. لا نريد نزاعا أوسع في الشرق الأوسط”.
وقارن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن البيئة الأمنية الجديدة في الشرق الأوسط، ووصفها بأنها خطيرة بقدر ما كانت عليه في المنطقة منذ عام 1973 على الأقل، وربما حتى قبل ذلك.
“القائد الأعلى لا يحب السلطة”
الأسبوع الماضي، أكد زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، أن الرئيس بايدن “لديه سلطة واضحة لاستخدام القوة العسكرية عندما تتعرض حياة ومصالح الأمريكيين للهجوم”. لكنه انتقد بايدن لعدم نشر تلك القوات بشكل أكبر “لمهاجمة أعداء أمريكا”.
وقال ماكونيل: “القائد الأعلى لا يحب السلطة”. واتهم بايدن بتوجيه ضربات ضد أهداف “منخفضة القيمة” والفشل في “فرض تكاليف كبيرة على إيران”.
جادل ماكونيل بأن الرئيس الثالث للولايات المتحدة توماس جيفرسون (1801 – 1809) لم يكن متحمسًا لاستخدام القوة في أي مكان. لكن الهجمات على السفن الأمريكية من قبل القراصنة في أواخر القرن الثامن عشر شجعت الولايات المتحدة في بداياتها على تطوير قوات بحرية (مارينز) لحماية مصالحها على متن السفن.
وأضاف ماكونيل: “إن التهديدات التي كان يمثلها القراصنة في البحر الأبيض المتوسط قد شكلت إجماعاً حول الأدوار المناسبة لفرعي المادة الأولى والمادة الثانية من الدستور في إدارة الحرب. لقد كانت حرية الملاحة مصلحة وطنية أساسية للولايات المتحدة منذ البداية”.
حديث ماكونيل عن حرب القراصنة في البحر الأبيض المتوسط، إشارة إلى المواجهات البحرية مطلع القرن التاسع عشر، بين الولايات المتحدة والسفن الحربية العثمانية.
في عام 1785، أعلن الداي محمد الجزائري الحرب على الولايات المتحدة واستولى على عدة سفن.
لم تتمكن الحكومة الأمريكية المتعثرة ماليًا من زيادة القوات البحرية التي من شأنها حماية سفنها.
ويتضمن الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الأمريكية ملخصاً عن هذه الحرب من وجهة نظر الولايات المتحدة. وورد أنه في محاولة لمواجهة التحدي الذي يمثله الداي، حاول توماس جيفرسون، سفير الولايات المتحدة في فرنسا آنذاك، بناء تحالف من القوى البحرية الأضعف لهزيمة السفن البحرية العثمانية في شمال أفريقيا، لكنه لم ينجح.
فأبرمت واشنطن معاهدات مع الحكام التابعين للعثمانيين في الجزائر وتونس وطرابلس. وبموجب شروط هذه المعاهدات، وافقت الولايات المتحدة على دفع الجزية وحررت 83 بحارا أمريكيا.
وشكلت هذه الهجمات دافعاً رئيسياً لبناء القوة البحرية الأمريكية (المارينز)، وتحديداً استيلاء العثمانيين على سفن أمريكية في عام 1794.
في المحصلة، خاضت الولايات المتحدة حربين كبيرتين إلى جانب الغارات القصيرة، الأولى في طرابلس الليبية (1801-1805) والثانية في الجزائر (1815-1816)، وهي الأعنف، لذلك غلب اسم الجزائر على هذه الحروب في البحر المتوسط.
وعقدت سلسلة اتفاقيات لإنهاء الهجمات على سفنها في البحر المتوسط، وكانت هذه الهجمات على المصالح الأمريكية تحظى بتعاطف بريطانيا بسبب توترات تجارية وسياسية عميقة مع أمريكا المستقلة حديثاً.
واستسلمت واشنطن أمام الهجمات العثمانية في العام 1812 حيث اندلعت الحرب بين بريطانيا والولايات المتحدة، وبمجرد أن وضعت أوزارها، توجهت قوة بحرية أمريكية هي الأكبر حتى ذلك الوقت، إلى البحر المتوسط، وأعلنت الحرب على الجزائر عام 1815 إلى أن وقع الجانبان معاهدة صادق عليها الكونغرس في ديسمبر من العام نفسه. وبموجب هذا الصراع الطويل ونتائجه، بات الأسطول الأمريكي وسفنها التجارية تبحر بأمان في البحر الأبيض المتوسط وبرز في البحار قوة جديدة هي “المارينز”.
دعوة ميتش ماكونيل بالاقتداء بهذه الحرب من أجل “بسط الأمن في المنطقة”، يستدعي استكمال أوجه التشابه، وأبرزها أن العداء بين بريطانيا والولايات المتحدة خلال الحروب العثمانية ساهم في هزيمة الولايات المتحدة وتعرضها للهجمات، وذلك لغياب التعاون مع القوة البحرية الأهم في العالم آنذاك. ولم يتحقق الأمان سوى بانضمام بريطانيا إلى الجهود الأمريكية في نهاية المطاف.
فما هي القوة التي ستكون مساعدتها حاسمة لتمكين واشنطن من تحقيق أهدافها في البحر الأحمر والشرق الأوسط على غرار الدور البريطاني قبل قرنين؟
لم تخفِ الولايات المتحدة الإجابة، حيث طلبت علناً المساعدة من الصين والتي اكتفت حتى الآن بالدعوة إلى إيقاف الهجمات على السفن وعدم تصعيد الصراع من كافة الأطراف.