أخبار مصر

عقل ذهبي في بيت بلا فرش.. قصة «علي» الذي هزم الآلة الحاسبة

عقل ذهبي في بيت بلا فرش.. قصة «علي» الذي هزم الآلة الحاسبة

في زحام شوارع الإسماعيلية، وبين أبواق السيارات ورائحة البنزين النفاذة، يقف طفل صغير يحمل قطعة قماش وزجاجة منظف، لا يلفت الأنظار من بعيد، لكنه يخبئ داخله سرًا لم يتوقعه أحد.

اسمه علي صالح، ابن الثالثة عشرة، الذي يلمع عقله كما تلمع زجاج السيارات التي يمسحها.

“اسأليني سؤال في الرياضيات”

توقفت سيارة أمامه، نزل زجاجها، وأطلت سيدة بابتسامة عابرة. طلب منها علي فجأة:
“اسأليني مسألة رياضية.”

ضحكت بدهشة وسألته: “ستة في ستة بكام؟”
لم تمر ثانية حتى أجاب: “ستة وثلاثين.. بس عايز أصعب!”

رفعت حاجبيها بدهشة وقررت أن تختبره أكثر. طرحت أرقامًا معقدة، وضغطت في الوقت نفسه على الآلة الحاسبة في هاتفها. لكن علي لم ينتظر الشاشة؛ كانت الإجابة تخرج من فمه أسرع من الأرقام التي تومض على الجهاز.

في لحظة، تحول علي من مجرد “طفل ماسح زجاج” إلى آلة حاسبة بشرية تقف على الرصيف.

بيت بلا فرش.. وأحلام بلا سقف

لكن وراء هذه الموهبة قصة حزينة.
فمنذ أشهر، التهم حريق بيت علي الصغير، تاركًا أسرته المكونة من خمسة أطفال بلا فراش ولا أثاث. والده عاجز عن العمل بعد عملية جراحية، وأمه تقف في الشارع تبيع المناديل لتضمن قوت يومهم، بينما ينقب إخوته في الخردة بحثًا عن لقمة عيش.

وسط هذه الحياة القاسية، خرج علي إلى محطة البنزين. يجني ما بين 50 و70 جنيهًا يوميًا، لا لشراء لعبة أو حلوى، بل ليساهم في مصاريف بيت بلا سند.

عقل سابق لعمره

المارة يصفونه بأنه “الآلة الحاسبة البشرية”. لم يتعلم الحساب الذهني في مراكز تدريب أو مدارس خاصة، لكنه يملك قدرة خارقة بالفطرة؛ يتعامل مع الأرقام كما يتعامل أقرانه مع الكرة أو الألعاب الإلكترونية.

كل مرة يجيب عن مسألة، يتجدد السؤال: كيف يمكن لعقل كهذا أن يضيع في الشارع؟

من الرصيف إلى الشاشات

انتشر مقطع فيديو لعلي وهو يتحدى الآلة الحاسبة على مواقع التواصل الاجتماعي. أشعل المقطع ضجة، وبدأ الإعلام يتحدث عنه باعتباره “المعجزة الصغيرة”. شخصيات عامة وفنانون طالبوا برعايته، فيما أعلن المجلس القومي للطفولة والأمومة أنه يدرس حالته لمساعدته وأسرته.

لكن علي لا يعرف شيئًا عن هذه الضجة. كل ما يعرفه أن يومه يبدأ وينتهي على الرصيف، وأن عليه أن يعود مساءً بما يكفي من المال ليطعم عائلته.

وراء الموهبة.. مأساة أسرة

تقول والدة علي:
“بيتنا اتحرق وبقينا من غير فرش. أبوه عامل عملية ومش بيقدر يشتغل، وأنا ببيع مناديل في الشارع، وإخواته شغالين في الخردة. علي هو اللي بيصرف علينا من شغله في المحطة.”

الحريق تركهم بلا مأوى مجهز، لكن وسط هذا الخراب، يلمع عقل علي في مواجهة الحياة.

تحركات رسمية ومجتمعية

انتشار الفيديو أثار تعاطفًا واسعًا. الإعلام أطلق عليه “الكنز”، والفنانة منى عبدالغني وصفته بـ“العبقري الصغير”. كما أعلن المجلس القومي للطفولة والأمومة دراسة حالته لتقديم الدعم.

في خطوة مهمة، وجهت الدكتورة مايا مرسي، وزيرة التضامن الاجتماعي، ببحث حالة الطفل علي وأسرته، وتقديم الرعاية العاجلة. كما أعلنت مؤسسة أبو العينين الخيرية تبنيها لعلي وتقديم دعم مادي وتعليمي له ولأسرته.

من محطة البنزين إلى منصة الأمل.

علي ليس مجرد طفل يلمع زجاج السيارات. إنه عقل رياضي نادر، قد يجد نفسه قريبًا في معمل أو قاعة محاضرات، بدلًا من رصيف محطة البنزين.
قصته تطرح سؤالًا أكبر: كم من “علي” آخر يعيش بيننا دون أن ننتبه إليه؟

رسالة تتجاوز علي قصة علي ليست مجرد حكاية طفل عبقري في الإسماعيلية، بل جرس إنذار للمجتمع كله.
الموهبة قد تولد في أي بيت، حتى لو كان بلا أثاث أو سقف يحميه. لكنها وحدها لا تكفي؛ تحتاج إلى من يراها ويحتضنها.

علي هو البداية، لا النهاية. ففي أحياء مصر ربما يعيش آلاف الأطفال الذين يملكون عقولًا لامعة ومواهب استثنائية، لكن الفقر يضعهم في خانة “المنسيين”.
وإن لم تمتد إليهم الأيدي، قد تبتلعهم الشوارع وتذوي قدراتهم هباء.

إنقاذ علي ليس فقط إنقاذ طفل، بل رسالة أمل تقول: حين يجد الموهوبون الدعم، تتحول المعاناة إلى معجزات .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى