غاز روسيا يختبر أعصاب الاقتصاد والغرب يستعد لمعركة التقنين
غاز روسيا يختبر أعصاب الاقتصاد والغرب يستعد لمعركة التقنين
وضعت موسكو عصب الاقتصاد الغربي على المحك، بقرارها وقف إمدادات الغاز لمدة عشرة أيام إلى ألمانيا عبر خط نورد ستريم 1 الذي ينقل كمية كبيرة من غاز روسيا إلى عدة دول أخرى في “القارة العجوز”.
وجاء قرار روسيا بوقف إمدادات الغاز من أجل أعمال صيانة مقررة في خط أنابيب نورد ستريم 1 المار عبر بحر البلطيق تستمر لمدة عشرة أيام، وهو الأمر الذي أغضب “القارة العجوز” ودفعها إلى التحذير من سيناريوهات قد تغرقها في حالة من انعدام اليقين بشأن مستقبل وارداتها من الغاز الروسي إثر تراجعها بشكل كبير خلال الأسابيع الأخيرة، واحتمال توقفها تماماً في وقت قريب.
وبدأت شركة غازبروم الروسية العملاقة اليوم الإثنين أعمال صيانة خطي أنابيب الغاز نورد ستريم 1 اللذين ينقلان كمية كبيرة من غازها الذي ما زالت تسلمه إلى ألمانيا وعدة دول أخرى في أوروبا الغربية.
ويبدو أن أوروبا تستعد للسيناريو الأسوأ في قادمات الأيام، حيث يدرك مسؤولو القارة العجوز، أن قرار صيانة، هو إجراء تقني شكلي؛ لكن في سياق الحرب في أوكرانيا والمواجهة بين روسيا والغرب حول الطاقة، لا يمكن لأحد أن يراهن على ما ستكون عليه عواقبه في المستقبل.
وتعتبر خطوة عملاق الغاز الروسي التي اندرجت تحت بند صيانة خط نورد ستريم 1، هي أحدث انتقام للعقوبات الغربية المفروضة على موسكو منذ بداية الحرب الأوكرانية في 24 فبراير، وتصعيد معركتها الاقتصادية مع بروكسل ورفع أسعار الغاز الأوروبية.
وتساءلت صحيفة بيلد اليومية الأكثر قراءة في ألمانيا أمس الأحد “روسيا ستغلق صنبور الغاز … لكن هل سيعيد فتحه يومًا ما؟”.
ووسعت روسيا تخفيضاتها للغاز المتدفق إلى أوروبا، وأوقفت الإمدادات للعديد من الدول التي صنفتها “غير صديقة” ورفضت قبولها خطة موسكو لدفع الروبل مقابل الغاز.
الاستعداد للأسوأ
وتواجه ألمانيا وضعا غير مسبوق، حيث من الممكن أن يتدفق الغاز مرة أخرى حتى بكميات أكبر من ذي قبل. ومن المحتمل ألا يصل أي شيء، بحسب تصريح نائب المستشار الألماني روبرت هابيك في نهاية الأسبوع للإذاعة العامة، مضيفاً: “علينا أن نستعد للأسوأ كالعادة”. وأضاف “من الممكن أن يتدفق الغاز مرة أخرى حتى بكميات أكبر من ذي قبل. ومن المحتمل ألا يصل أي شيء وعلينا أن نستعد للأسوأ كالعادة”.
على أساس وجود مشكلة
وخفضت موسكو من قبل شحنات الغاز عبر نورد ستريم بنسبة 60% في الأسابيع الأخيرة، وهو قرار نددت به برلين ووصفته بأنه “سياسي”.، فعلت شركة غازبروم الشيء نفسه في أماكن أخرى من أوروبا ، حيث خفضت الإمدادات عن بعض البلدان وقطعتها تمامًا عن أخرى.
فقد قالت شركة “إيني” الإيطالية الاثنين إن غازبروم أبلغتها أنها ستزودها، لعشرة أيام، 21 مليون متر مكعّب يوميا تقريبا من الغاز، بينما بلغ المعدل على مدى الأيام الأخيرة الماضية حوالى 32 مليون متر مكعب يوميا.
بدورها قالت شركة OMV النمساوية الإثنين إن غازبروم أبلغتها بخفض إمدادات الغاز. و”هذا يعني اليوم خفضًا بنسبة 70 بالمائة تقريبًا من الكمية التي تصل إلى مركز بومغارتن للغاز الطبيعي بالقرب من الحدود السلوفاكية”، في رسالة بالبريد الإلكتروني لفرانس برس.
لذلك عملت برلين جديًا لإقناع كندا السبت بإعادة التوربينة المخصصة لخط نورد ستريم 1 وكانت تخضع للصيانة لديها، على الرغم من احتجاجات أوكرانيا.
لكن، لم ترغب ألمانيا في إعطاء موسكو حجة إضافية لوقف شحناتها من الغاز. ورحب المستشار الألماني أولاف شولتس من خلال المتحدث باسمه الاحد بقرار الكنديين.
وتشكك ألمانيا بأن توقف غازبروم المملوكة للحكومة الروسية، عمليات التسليم عبر نورد ستريم إذ أن الغاز المستغَل في حقل سيبيريا “يتعرض لضغوط” ولا يمكن تخزينه إلى الأبد؛ فالأمر ليس مثل صنبور الماء، وفق تصريح نائب المستشار الألماني روبرت هابيك في نهاية الأسبوع للإذاعة العامة.
رعب التقنين
وأغلقت ألمانيا منذ بداية الحرب الأوكرانية، خط أنابيب نورد ستريم 2 الروسي للغاز الذي كان من المقرر أن يبدأ تشغيله وتبذل جهودًا لتقليل اعتمادها على روسيا التي ما زالت تشتري منها 35% من وارداتها من الغاز مقابل 55% قبل الحرب. وما زالت الأسر الألمانية تعتمد بأكثر من 50% على الغاز للتدفئة.
ولن يؤدي الإغلاق الدائم لخط نورد ستريم 1 إلى معاقبة أكبر اقتصاد في أوروبا فحسب؛ فبعض الغاز الذي يصل إلى ألمانيا يُنقل بعدها إلى مختلف أنحاء أوروبا.
وفي فرنسا، دعا وزير الاقتصاد برونو لو مير الأحد إلى “الاستعداد للمعركة” للتعامل مع احتمال الخفض الكلي للإمدادات، الذي قال إنه “الاحتمال الأكثر ترجيحًا”.
ومن ثم، فإن التوقف المطول عن تسليم الغاز من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة التي تعاني منها أوروبا بالفعل، مع ارتفاع الأسعار والخوف من شتاء قاسٍ.
وتدرس السلطات الألمانية بالفعل خطط التقنين وتدعو إلى الاقتصاد في الطاقة.
ويجب على ألمانيا أن تفعل كل شيء للاقتصاد في الغاز منذ الآن، عبر تحسين التدفئة ومناقشة الأمر داخل العائلات، وإعداد القطاعات الاقتصادية، وفق خبراء، فيما تدرس شركة BASF الكيميائية العملاقة وضع بعض الموظفين في حالة بطالة جزئية، وإذا طالت فترة وقف الإمدادات.
واعتمد مجلس النواب منذ الخميس الماضي خطة رمزية للاقتصاد في استهلاك الطاقة عبر تجنب وضع التدفئة فوق 20 درجة في الشتاء ووقف تسخين المياه في المكاتب الفردية.
قطع الإمدادات
واتخذت روسيا قرارا بقطع إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا وفنلندا وهولندا التي رفضت الاستجابة لمطالبها لفتح حسابات بالروبل لدى بنك روسي في إطار نظام تسوية المدفوعات.
وقررت شركة “جازبروم” الروسية تقليص إمدادات الغاز إلى إيطاليا، حيث قالت شركة “إيني” الإيطالية اليوم الاثنين، في بيان على موقعها الإلكتروني، بأن شركة “جازبروم” الروسية أعلنت أنها ستزود إيني بكميات من الغاز تبلغ نحو 21 مليون متر مكعب في اليوم.
يأتي هذا بينما بلغ المتوسط في الأيام القليلة الماضية نحو 32 مليون متر مكعب في اليوم.
وكانت إيني أعلنت منتصف يونيو تراجع إمدادات الغاز من روسيا، لتنضم الشركة بذلك لقائمة آخذة في الاتساع من شركات تضررت إمداداتها جراء تصاعد التوترات بين موسكو وأوروبا.
وستكون إيطاليا من بين أكثر الدول تأثرا مع وقف إمدادات الغاز بسبب اعتمادها على الغاز الروسي بنسبة 46 بالمئة.
وتصدّرت روسيا قائمة الدول بمستوى أعلى من مخزون الغاز الطبيعي لعام 2020، لتصل حجم احتياطاتها إلى 48.9 تريليون متر مكعب. كما تبوأت المقدمة ضمن قائمة الدول الأعلى بصادرات الغاز الطبيعي ليصل حجم صادراتها لعام 2020 إلى 199.9 مليار متر مكعب، حسب النشرة الإحصائية السنوية لمنظمة أوبك. وفقا لإحصاء أجراه موقع الإحصاءات الاستهلاكية الدولي “ستاتيستا”، بشأن واردات الغاز الطبيعي إلى الدول الأوروبية من روسيا بين 2015 إلى 2020.