… شابان يجددان الاحتجاجات في إثيوبيا
عادت المظاهرات من جديد للمدن الإثيوبية بعد مصرع المغني الإثيوبي الشهير هاشالو هونديسا، المعروف «بفنان الثورة»، وهو من أقلية الأورومو العرقية، وسط أنباء تتحدث عن سقوط أعداد من المحتجين برصاص قوات الأمن، وحملة اعتقالات واسعة طالت عدداً من أبرز رموز المعارضة، أبرزهم الناشط جوهر محمد.
وقد تشكّلت الخلفية السياسية للمغني الإثيوبي بوصفه منتمياً لأقلية الأورومو العرقية، وقد لعبت كلمات أغانيه دوراً رئيسياً في خروج المحتجين لإسقاط رئيس الوزراء السابق.
وحاول آلاف مرافقة جثمان الشاب الإثيوبي، صباح اليوم، غير أن قوات الأمن حاولت منعهم، ما أدى لاندلاع الاحتجاجات.
ولطالما اشتكت جماعة أورمو، أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، من التهميش السياسي والاقتصادي، ما كان سبباً في خروج المنتمين لهذه الجماعة في مظاهرات عام 2016 لتحسين ظروفهم، وانتهت باستبدال الائتلاف الحاكم، رئيس الوزراء آنذاك، هايليمريم ديسالين، بآبي أحمد، وهو ينتمي للأورومو.
سبب آخر وراء تسارع وتيرة الغضب في إثيوبيا من جانب المحتجين هو اعتقال قوات الأمن جوهر محمد، الناشط السياسي البارز، الذي ينتمي هو الآخر لقومية الأورومو، والذي يُعد أباً روحياً لنضال المجموعات الشبابية، ويتمتع بقاعدة شعبية عريضة في أرجاء أوروميا. كما اقتحمت قوات الأمن شبكة إعلام محلية في إثيوبيا، يديرها جوهر، واعتقلت جميع الصحافيين العاملين فيها، قبل أن تُفرج عنهم لاحقاً تحت الضغط الشعبي.
ويملك جوهر حضوراً فاعلاً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتابع حسابه على «فيسبوك» نحو 1.75 مليون شخص، ما يبرز قدرته على الحشد السريع للمظاهرات، وهو ما يفسر ارتفاع أعداد المحتجين عقب خبر اعتقاله.
وبحسب وسائل إعلامية إثيوبية، فالتطورات في الشارع تُشير إلى سقوط 19 قتيلاً في مناطق متعددة من قومية أوروميا، وعدد غير معلوم من الجرحى، وحملات اعتقال طالت أعداداً كبيرة من رموز المعارضة، وتحديد الإقامة الجبرية لعدد من زعماء الأورومو السياسيين، أبرزهم داود أبسا قائد جبهة تحرير أوروميا، وميريرا جودينا رئيس حزب «مؤتمر الأورومو الاتحادي» المعارض.
من جانبه، قال بكري أحمد (27 سنة)، وهو ناشط إثيوبي من قومية الأورومو، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، إن الاحتجاجات مستمرة ولن تتوقف، في ظل استمرار سياسة الإقصاء تجاه أفراد الأورومو، وحملة الاعتقالات المستمرة، وسجن أي مُطالب بحقوقنا، مؤكداً أن آبي أحمد لم يصنع تغييراً، لأنه من الحزب الحاكم، ما يجعلنا «نُشكك» في انتمائه للأورومو، بحدّ تعبيره.
ويُضيف أحمد أن سياسة «الاستبداد» تشمل حرق مزارع العاملين من الأورومو، وفرض إتاوات على آلاف دون وجه حق، موضحاً أن ما حدث مع المغني الإثيوبي من رميه بالرصاص بعد إجرائه مقابلة تلفزيونية، هاجم خلالها الائتلاف الحاكم، يثير شكوكاً كبيرة في تنفيذ السلطة الحالية لواقعة اغتياله.
ويرى أحمد أن الدفع بقوات الأمن لتفريق المحتجين باستخدام العنف المسلح هو محاولة من جانب آبي أحمد لتعطيل الانتخابات الرئاسية المقررة خلال شهر أغسطس (آب)، مؤكداً أن الأخير يحاول توظيف المشهد الحالي في فرض الطوارئ، وتأجيل الانتخابات بسبب خوفه من الإطاحة به لصالح جوهر محمد الذي أعلن ترشحه في الانتخابات المقبلة.
وكان الصحافي الإثيوبي، مفتاح الدين العروسي، قد ذكر في اتصال هاتفي سابق مع «الشرق الأوسط» أن الخلاف الرئيسي بين جوهر محمد وآبي أحمد يتمثل في النظرة العامة إلى الدولة، فالأخير يسعى إلى بناء دولة مركزية، بينما يتخوف جوهر من ذوبان المكونات الإثنية ضمن مركزية الدولة.
ويوضح العروسي، المنتمي هو الآخر إلى قومية الأورومو، أن «جوهر ليس مجرد ناشط سياسي أو مناضل قومي، وإنما يعتبر أيقونة ورمزاً وزعيماً ملهماً للأورومو ولحراكهم الثوري في السنوات الأخيرة، والمحاولات التي يبذلها آبي أحمد لتحجيم دوره وأنشطته السياسية قد تأتي بنتائج عكسية».
وحاولت قوات الأمن الإثيوبية اعتقال جوهر محمد في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، قبل أن تفشل بسبب الاحتجاجات الواسعة، لتضطر السلطة للتراجع لاحقاً، وتقديم الاعتذار عن محاولة اعتقال جوهر؛ حيث وصف رئيس إقليم أوروميا «شيملس أبديسا» آنذاك، نيابة عن الحكومة الحالية، ما حدث بـ«الخطأ الفاضح الذي قام به من يحاول الوقيعة بيننا وبين شعبنا وتأجيج الوضع في البلاد»، كما تعهد بإجراء الحكومة تحقيقاً موسعاً حول الأمر، وإعلان نتائجه للشعب، ومحاسبة كل من يقف خلف الموضوع.