قمة جدة بعيون أمريكية.. خطوة أولى لتعديل رؤية بايدن الشرق أوسطية
قمة جدة بعيون أمريكية.. خطوة أولى لتعديل رؤية بايدن الشرق أوسطية
لا تشير بنود قمتي جدة للأمن والتنمية إلى حدوث تغير كبير من الجانب العربي تجاه العلاقات مع الولايات المتحدة، فالمقاربة الخليجية- العربية تتبنى نهجاً متوازناً في بناء العلاقات مع القوى الدولية، لكن التغير الكبير تمثل في المقاربة الأمريكية، حيث إن مقارنة تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن في بداية فترة تسلمه الرئاسة، وبين ما أعلنه عن أهمية المنطقة خلال قمة جدة، تشير بلا لبس إلى أن هذا اللقاء يؤسس لتصحيح رؤية الإدارة الديمقراطية تجاه منطقة الشرق الأوسط.
أفسحت قمة جدة للأمن والتنمية مجالاً رحباً لبناء جسور علاقات أوثق بين العرب والولايات المتحدة، ما فرضتها التغيرات السريعة المتلاحقة على خارطة الأزمات العالمية، والحاجة إلى تشبيك الأيدي دفاعاً عن المصالح المشتركة حيثما وجدت على أرض الواقع.
ولعل ما أكده الرئيس الأمريكي جو بايدن في ختام لقاءاته، التي تضمنت قمتين، خليجية أمريكية، وعربية أمريكية، أن بلاده لن تترك منطقة الشرق الأوسط، وهو يزورها لأول مرة كرئيس، أوضح بجلاء رؤية إدارة بايدن، واستراتيجيته للمرحلة المقبلة، في ظل المخاوف من تراجع دور بلاده لصالح لاعبين دوليين آخرين كالصين وروسيا، وهو ما يجعل من الخطوة الأمريكية بمثابة تصحيح لرؤية الإدارة الديمقراطية تجاه الشرق الأوسط، حيث باتت المنطقة في خطابات هذه الإدارة، في بداية تسلم بايدن الرئاسة، هامشية، وغير ذي أهمية.
في تصريحات في واشنطن أكد خبراء وأكاديميون أمريكيون وعرب بالولايات المتحدة أن هناك نتائج إيجابية أسفرت عنها القمة، وعلى رأسها الحوار المباشر بين الولايات المتحدة كقوة عالمية كبرى وبين اللاعبين الرئيسيين في منطقة الشرق الأوسط، التي تمثل حجر الزاوية في خريطة السياسات العالمية، ورغم أن بايدن لم يحصل على مكاسب فورية، خاصة في مجال الطاقة، فإن العلاقات العربية- الأمريكية أصبحت أمام بيئة صحية للبناء على المصالح المشتركة.
وقال فرانسيس ريتشاردوني الخبير الاستراتيجي بواشنطن وسفير الولايات المتحدة سابقاً في القاهرة ورئيس الجامعة الأمريكية سابقاً بالقاهرة: إن جولة الرئيس بايدن في منطقة الشرق الأوسط ولقاءاته مع عدد من قادتها وزعمائها تظهر استمرار إدراك الولايات المتحدة لأهمية المنطقة بالنسبة للمصالح الأمريكية، منوهاً بأنه لا يمكن لأي رئيس أمريكي أن يغفل هذه منطقة الشرق الأوسط نظراً لأهميتها على مختلف الصعد بالنسبة للولايات المتحدة.
وأضاف: إن اهتمام الجانبين الأمريكي والعربي خلال هذه القمة كان منصباً على السلام والاستقرار والاقتصاد والرفاهية والتنمية وتعزيز التعاون في مواجهة ليس فقط القضايا التقليدية مثل حماية الأمن ومكافحة الإرهاب وغيرها، ولكن أيضاً القضايا الدولية، التي تهم العالم بأسره مثل التغير المناخي والقضايا البيئية.
وأشار إلى أن الرئيس بايدن يؤكد بذلك استمرار التزام الولايات المتحدة بالإبقاء على العلاقات القوية بغض النظر عن التحديات.
حماية المصالح
بدوره ذكر لورنس كورب الخبير بمركز التقدم الأمريكي ومساعد وزير الدفاع الأمريكي سابقاً أن الرئيس بايدن كان يحتاج إلى القيام بهذه الجولة وزيارته للمملكة العربية السعودية تحديداً نظراً لحجم اهتمام واشنطن بعدد من الملفات مثل إيران والنفط، مؤكداً أن مصالح الولايات المتحدة وحماية أمنها كانت المحرك الرئيسي للقيام بهذه الجولة.
وحول ما ذكره بايدن في قمة جدة من أن بلاده ستعمل على تعزيز وجودها في المنطقة وعدم ترك المجال ليشغله آخرون، قال كورب: إنه ليس معنى أن الصين تمثل تحدياً بالنسبة لأمريكا، وأن روسيا أعلنت عملية عسكرية في أوكرانيا أن الولايات المتحدة تراجعت عن منطقة الشرق الأوسط.
ولفت إلى أن أمريكا لديها الأسطول الخامس في المنطقة، إضافة إلى نحو 1200 جندي في العراق، ونحو 1000 جندي في شمال سوريا فأمريكا موجودة فعلياً، رغم أن هذا الوجود ليس بنفس حجمه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
خطوة أولى
من جهتها قالت إيفيت ألكسندر المحللة الاستراتيجية الديمقراطية بواشنطن: إن بايدن من خلال هذه الجولة بذل جهوداً كبيرة جيدة، وهي تستهدف تعزيز العلاقات الإيجابية في المنطقة، ونجح في ذلك.
وأشارت إلى أن هذه العلاقات الجيدة بين الولايات المتحدة ودول منطقة الشرق الأوسط أفضل كثيراً من علاقات أي قوة دولية أخرى بالمنطقة، وما ثبت من خلال جولة بايدن أن العلاقات القوية بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط تكتسب زخماً وقوة كبيرين إذا ما تعاونا في الوقت الراهن. وأوضحت أن هذه الجولة والاتفاقيات، التي تم التوصل إليها تمثل الخطوة الأولى الإيجابية في تعظيم قوة العلاقات بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، وأنه ينبغي بذل المزيد من الجهد والعمل لمواصلة هذا المسار.
ونوهت بأن المواطنين الأمريكيين بحاجة لكي يظهر الرئيس بايدن المزيد من القيادة والقوة، وهو رئيس دولة كبرى لها مكانتها في نظر الدول الأخرى في العالم، وقد نجح بالفعل من خلال هذه الجولة كخطوة أولى، ولكن هناك حاجة للمزيد، كما توقعت أن تكون لهذه الجولة نتائجها الإيجابية بعيدة المدى لتصبح ضمن مكاسب إدارة بايدن، من حيث اهتمامها بالمنطقة على هذا النحو، وبالصورة التي لم تكن موجودة في الإدارة الجمهورية السابقة.
ناجحة ومتوازنة
من جانبه قال الدكتور نبيل ميخائيل المحلل السياسي بواشنطن: إن قمة جدة كانت ناجحة ومتوازنة، حيث أدت إلى إجماع استراتيجي حول قضية الأمن في الخليج، وأعطت مجالاً لمناقشة الملف النووي الإيراني.
وذكر ميخائيل أن هذه القمة أظهرت بوضوح الدبلوماسية الإماراتية باعتبار أن دولة الإمارات سباقة في منح المساعدات الدولية للدول والمجتمعات، التي تواجه أوضاعاً طارئة، ورغم أنه كان هناك تركيز على القضايا الاستراتيجية والعسكرية، إلا أنه كان هناك اهتمام كذلك بقضايا البيئة والتنمية، مشيراً إلى أن دولة الإمارات يعتمد عليها في هذا الشأن، وهو ما يتوافق أيضاً مع الرئيس بايدن، الذي يتبنى في برنامجه الانتخابي المحلي في داخل الولايات المتحدة قضية تطوير الطاقة، من المقرر أن تكون هناك استثمارات إماراتية في هذا المجال، وهو ما يمثل انتصاراً كبيراً للدبلوماسية العربية عامة وللدبلوماسية الإماراتية على وجه الخصوص.
وتابع: إن الامتحان الكبير الآن هو ما سيحدث بعد القمة، فمثلاً في رأيي الخاص قد يعلن بايدن عن شيء ما من قبل إدارته تجاه إيران، وعليه أن يشرح محتوى هذه الخطوة، ولو رفضت إدارة بايدن الاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، فعليه أن يتواصل مع من التقى بهم في جدة، وأن يشرح لهم ما هي الاستراتيجية الجديدة.
ونوه بأن مدى استفادة بايدن من هذه القمة في انتخابات التجديد النصفي وما إذا كان سيتمكن من أن يبرهن لناخبيه أنه رجل دولة ماهر يستطيع أن يحافظ على المصالح الأمريكية في المنطقة، فقد تكون السياسة الخارجية عاملاً في انتخابات نوفمبر المقبلة أو حتى لو رغب في ترشيح نفسه للرئاسة مرة ثانية في عام 2024.
وشدد على ضرورة أن ينأى بايدن بنفسه عن الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، وقد يتسبب هذا الجناح في إفساد علاقاته بالدول العربية، ولن يظهر أمام الرأي العام الأمريكي كسياسي معتدل يستطيع أن يكسب لحزبه ولنفسه الأغلبية في الانتخابات.
وترى الدكتورة سحر خميس أستاذة الإعلام السياسي في جامعة ميريلاند الأمريكية أن الهدف من هذه الجولة هو أن تكون هناك إعادة لتعزيز مكانة ودور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، من أجل سد أي فجوة أو فراغ من الممكن أن تملأه قوى أخرى في هذه المنطقة الحيوية، فكان الهدف الرئيسي من هذه الجولة بكل مساراتها هو تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والأمني والعسكري مع دول المنطقة، ولكن الغاية الجيواستراتيجية الأكبر هي إعادة تمكين الولايات المتحدة من ترسيخ مكانتها بالمنطقة، بحيث لا يكون هناك إحلال لدورها الهام من قبل الصين أو روسيا.
وأشارت إلى أن جولة بايدن أكدت تعزيز الشراكة والتعاون مع دول المنطقة، كما أن الولايات المتحدة، ومن خلال إدارة بايدن برهنت على أن هناك مجالاً للحوار الدبلوماسي مع إيران باعتبار أن الدبلوماسية هي المسار الأفضل، لمواجهة التوترات مع إيران.
ولفتت إلى أن هناك انتقادات لجولة بايدن في ما يخص القضية الفلسطينية،حيث لم تحظ بالقدر الكافي من العناية والاهتمام في هذه الجولة الشرق أوسطية، حيث كان دائماً في الماضي في صدارة الاهتمام حل القضية الفلسطينية، من خلال حل الدولتين، كما أن الجولة لم تهتم بملف القضية السورية.
وبالنسبة لقمة جدة كان لأمريكا عدة أهداف تريد تحقيقها، واللغة التي كانت سائدة في القمة كان يغلب عليها الدبلوماسية، وقد أجمل هذا الموقف الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي حين قال: إننا نرجو من إيران أن تكون جاراً جيداً في المنطقة، وأن تلتزم بالقوانين الدولية، وأن تكون لها مواقف إيجابية لتجنب أي نوع من أنواع الصدامات أو التوترات.
ونوهت باهتمام الولايات المتحدة، كما ذكر بايدن، بوجود ممرات استراتيجية مفتوحة في المنطقة لإنعاش التجارة والاقتصاد في هذا الجزء الهام والحيوي من العالم.
وأكدت أنه على الصعيد التقني وأهميته وليس ببعيد القمة التي عقدت بين أمريكا والإمارات وإسرائيل والهند، والتي ركزت على الجانب التقني بوجه خاص، فقد دعا بايدن إلى وجود هيئات أو مؤسسات تكنولوجية، وأن تقوم الدول الأوفر حظاً من الناحية التقنية بتوفير التقنيات للدول الأقل حظاً من حيث التكنولوجيا، لمساعدة هذه الدول على تحقيق أهدافها التكنولوجية.