ترسم المزارع في منطقة حتا بتنوعها وانتشارها بين الجبال لوحات من الجمال، أضفت سحراً على معالمها التاريخية ومرافقها الحديثة، وشكلت مساحاتها الخضراء التي تلفها أجواء الهدوء والسكينة، وتصميمها الذي يتناغم مع المناظر الطبيعية المحيطة بها متنفساً لأهالي المنطقة والزوار، حيث باتت مجالس مفتوحة يتسامرون فيها ويتبادلون الأحاديث والملاذ المثالي للابتعاد عن صخب الحياة.
نجاح
وتضم مزارع حتا غابات من النخيل ومساحات خضراء تحتضن في ثناياها خضراوات ونباتات متنوعة، تثير الإعجاب خصوصاً كيفية نمو هذه النباتات في أرض مليئة بالصخور، وكيف تتم حراثة هذه الأراضي وتهيئتها، وأنظمة الري التي تستخدم لرفع المياه لتغطي المساحات الشاسعة الممتدة، وحجم التحدي الذي خاضه الأجداد والآباء للتغلب على قسوة الأرض وجعلها بساطاً أخضر يتميز بخصوبته.
وتروي مزارع حتا قصة تحدٍ خاضها الآباء والأجداد الذين اعتمدوا على سواعدهم لحراثة الأراضي وكسر صلابتها، وكيف استعانوا بالحيوانات لنقل التربة لها، ومن ثم زراعتها بمختلف المحاصيل، ومنها دقيق البر والطماطم والبصل والنخيل وشجر الهمبا «المانجو» وأطعمة الحيوانات كالبرسيم، كما تسرد تفاصيلها فطنة القدماء وطرقهم الهندسية المعقدة في بناء الأفلاج التي تحولت لشريان يروي هذه الغابات، والتي صمدت مكوناتها في وجه التغيرات ومكثت عقوداً من الزمن، دون أن تتطلب صيانة أو تدخلاً من الأجيال التي توالت بعدهم إلا بلمسات بسيطة.
تنوع
مزارع حتا بجمالها وتنوع محاصيلها تحكي فصلاً ملهماً من حياة القدماء من أبناء المنطقة الذين لم يعترفوا بفروقات المناخ والتضاريس وقسوة الجبال وشح المياه، بل كانوا ينظرون للأرض على أنها مصدر رزق وعطاء، دون الاكتراث بالتفاصيل أو التحديات التي تبرز بحكم المناخ والتي كانت صغيرة أمام إرادتهم، حيث تحولت الصخور والجبال إلى أراضٍ خصبة تعج بالحياة والمحاصيل المتنوعة، وشقت بين ثناياها أفلاجاً امتدت مسافات طويلة، لتنقل المياه بين مزارع عدة لا تخلو من المنحدرات والمناطق المرتفعة دون توقف وبصورة تذهل كل من يشاهدها، دون الاعتماد على مولدات أو معدات لدفع هذه المياه، بل كانت الهندسة القديمة وتكاتف أبناء المنطقة الذين عرفوا منذ القدم بقوة ارتباطهم ببعضهم ومتانة علاقاتهم الاجتماعية هي السبيل للتغلب على هذه التحديات.
مزارع حتا بطرازها القديم وأنظمة ريها التقليدية، لم يطلها التغيير إلا بغرض الصيانة التي استخدمت أدوات مشابهة للتي شيدت منها، فهي معلم سياحي وشاهد تاريخي على عزيمة القدماء، وتحكي منظومة الأفلاج التي تزخر بها إرادة الإماراتي منذ القدم في قهر التحديات وتذليل الصعاب، من أجل تأمين غذائه والمساهمة بصورة إيجابية في مجتمعه، فالمزارع التي شيدها الآباء والأجداد مازالت تحمل أسماءهم أو أسماء أبنائهم.