مشكلة سد النهضة وإقليم تيجراي ..أثيوبيا في مفترق طرق خطر
مشكلة سد النهضة وإقليم تيجراي ..أثيوبيا في مفترق طرق خطر
جنود أثيوبيون محتجزون في إقليم تيجراي
أثيوبيا في قلب صراع كبير، فبالرغم من مشكلة سد النهضة وتبعاته مع مصر والسودان، فإن مشكلة إقليم تيجراي، وأوضاع المدنيين، باتت تغطي على انجازات رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد، كما أن سمعته العالمية بدأت بالتآكل.
المراقب للهجة التواصل بين الخارجية الأمريكية والحكومة الأثيوبية يلمح حجم المشاكل في الوقت الحالي بين البلدين، اذ أن العبارات المستخدمة في الخطاب الأخير بين أنتوني بلينكين ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يوم الثلاثاء تكاد تنحصر في: “أدان، وشدد وحث” وغيرها من الكلمات التي توضح رغبة واشنطن في احداث تغيير على أرض الواقع. وفي ذات السياق فإن أوضاع المدنيين في تيجراي أصبحت أكثر خطورة منذ بدء القتال في نوفمبر. حيث شدد بلينكين على أهمية وقف إطلاق النار الثنائي فوراً. وأدان تدمير الجسور والعقبات التي تواجه العاملين في المجال الإنساني، وحث اتخاذ سلسلة من الخطوات التي حددها مجلس الأمن الدولي.
وبالرغم من مناقشة مجلس الأمن الأوضاع في أثيوبيا، إلا أن أديس أبابا ليست ممثلة في مجلس الأمن، إذ تشغل حاليا المقاعد الأفريقية الثلاث كل من تونس والنيجر وكينيا. وكانت تونس قد قدمت مقترحا الأسبوع الماضي بأن يسعى مجلس الأمن الدولي من أجل التوصل إلى اتفاق ملزم بين إثيوبيا والسودان ومصر بشأن تشغيل سد النهضة العملاق خلال ستة أشهر، فإن البعثة الأثيوبية في الأمم المتحدة تبذل حاليا قصارى جهدها لحشد أغلبية في مجلس الأمن ضد المقترح التونسي.
عشرات آلاف اللاجئين في السودان
واشتكت مصر والسودان هذا الأسبوع من قرار أديس أبابا الشروع في المرحلة الثانية من تعبئة السد. ومن المفترض أن يزود السد الضخم أثيوبيا بما يصل إلى 6000 ميجاواط من الكهرباء، لكن هذه الخطوة تعد مصدر خطر وقلق لمصر والسودان، حيث يعبر نهر النيل ويعتبر شريان الحياة لهما.
أما في السودان، الذي يقف في منتصف عملية التنمية السياسية منذ التغيير في السلطة في عام 2019، فقد تأثر بشكل مضاعف من الأزمة في أثيوبيا، فبالاضافة إلى مشكلة مياه النيل التي تمثل أكثر من مجرد استفزاز جيوسياسي، يستضيف السودان أكثر من 46 ألف لاجئ من إقليم تيجراي الأثيوبية في مخيمات اللاجئين.
وشكلت الأوضاع هناك نقطة تحول، وخاصة بعد تمكن تحرير شعب تيغراي (TPLF) وقوات دفاع تيجراي (TDF) من إخراج الجيش الأثيوبي من أجزاء كبيرة من المقاطعة، بما في ذلك ميكيلي عاصمة الإقليم.
وأعلنت حكومة رئيس الوزراء أحمد آبي وقفا لإطلاق النار من جانب واحد، لكن قادة العالم حذّروا من “حصار” محتمل للمنطقة مع الدمار الذي تعرّضت له الجسور المؤدية إلى تيجراي والقيود المفروضة على الوصول إلى الإقليم.
جبهة تحرير تيجراي أعلنت عن شروط انضمامها لخطة وقف اطلاق النار، بحسب جيتاشيو رضا المتحدث باسم الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي في حديث لـ DW، ومن أهم هذه الشروط انسحاب جنود إريتريا والميليشيات من الاقليم.
وقال رضا “سنواصل القتال حتى يتم تلبية شروطنا المسبقة” القوات الحكومية “تم القضاء عليها”. إنهم يريدون خداع المراقبين بتصويرهم على أنهم تركوا المناطق المنهوبة بسلام. الآن يتعين على الجنود والميليشيات القادمة من أريتيرياالرحيل”.
تحذيرات أممية من مجاعة
من جهته أكد سفير أثيوبيا في برلين مولو سولومون بيزونه لـ DW أن القوات الحكومية الأثيوبية غادرت الإقليم من أجل تحقيق السلام، وبـأن وقف اطلاق النار يأتي من أجل السماح للمساعدات الإنسانية الوصول للإقليم. وأضاف بإن “الحكومة الأثيوبية وافقت على رحلات جوية إغاثية إلى المنطقة”، بيد أنه وبحسب معلومات حصلت عليها هيئة التحرير الأمهرية في DW لم يتم حتى الآن تسجيل أي من هذه الرحلات لدى هيئة الطيران.
ويعد الوصول إلى تيجراي صعبا للغاية بالنسبة لمنظمات المساعدة الإنسانية، وفي شهر يونيو فقط قُتل ثلاثة من موظفي منظمة “أطباء بلا حدود”. بالإضافة إلى ذلك، تم تدمير العديد من الجسور، فيما حذرت الأمم المتحدة في أوائل يوليومن أن 400 ألف شخص معرضون لخطر المجاعة .
وفي مقابلة مع DW، نفى سفير أثيوبيا أن الحكومة تستخدم الجوع كسلاح ضد المعارضين. وقال إن “الحكومة تحاول توفير إمدادات الإغاثة، فيما تحاول الجبهة الشعبية لتحرير تيغري عرقلة وصول المساعدات بمهاجمتها قوافل الإغاثة”، بحسب قوله.
ومن الصعب التكهن عما إذا كان الصراع سيتوقف قريبا في الإقليم، ويتحقق الاستقرار بحسب الخبير والمحلل في الشأن الأثيوبي بيفكادو هايلو، وقال هايلو في مقابلة مع DW “إن تقدم قوات تحرير تيجراي في الإقليم، زاد من شعورهم بالثقة، وهو ما انعكس ضمن شروطهم القوية التي وضعوها، من أجل الانضمام لوقف اطلاق النار”.
أبي أحمد كصانع سلام
ولغاية تولي آبي أحمد السلطة في عام 2018، نجح تنظيم تيجراي في فرض نفوذه داخل أثيوبيا، وكون له أعداء، حتى مع دولة إريتريا المجاورة، وبحسب الخبير هايلو فـن التنظيم يؤمن بقدرته على مواجهة أعدائه، لذلك يحاول أن يقوي نفسه، بتكوين المزيد من القوات لمهاجمة جيرانه، لذلك فإن أمر المواجهة بين قوات تيراي والجيش الأثيوبي، قد يكون أمرا لا مفر منه”.
وأضرت الأزمات المحيطة بتيجراي وسد النهضة بسمعة آبي أحمد في الخارج كصانع سلام مفترض للدولة متعددة الأعراق. لكن حتى في أثيوبيا نفسها، سرعان ما تبخر التفاؤل، كما يقول بيفكادو هايلو: “لاحظت العديد من المجموعات السياسية أن آبي أحمد الذي كان في أذهانهم، لا يتوافق مع آبي أحمد في الواقع.
لقد كان منخرطًا في الحكومة السابقة وكانت له شخصيته الخاصة وطموحات كبيرة. الآن اختلفت الأمور لدى القوى السياسية في أثيوبيا بحسب هايلو إذ أدركت هذه القوى أن آبي أحمد بات يجسد أكثر فأكثر عقلية الحاكم المستبد، وأنه لا يمثلها في الواقع”.