اعداد/جمال حلمي
صراع التاريخ وما ينتظر المنطقة العربية في المستقبل.
تلك الجهود التي لم تأخذ من الشهرة ما تستحقه، تمركزت حول أن الخطر الصهيوني ليس محدقا بالعرب فحسب، بل بالعالم أجمع،
اتهام إسرائيل بالوقوف وراء منع صاحب “العلم والإيمان”
ولعل هذا المجهود الفكري من جانب مصطفى محمود هو ما دفع أسرته وعددا من متتبعي سيرته لاتهام إسرائيل بالوقوف وراء منع صاحب “العلم والإيمان” من استكمال برنامجه الشهير بالتلفزيون المصري، فضلا عن حظر مقالاته في الصحف.
كتابات مصطفى محمود في الشأن الإسرائيلي شاهدة على قدرته على التدقيق في التاريخ واستشراف المستقبل، فما أشار إلى حدوثه قبل أكثر من ربع قرن يمضي في التحقق على أرض الواقع.
السلام مع إسرائيل
في كتابه “إسرائيل البداية والنهاية”، يقول إن “إسرائيل تتصرف وكأنها تتعامل مع أصفار، وتتوسع وكأنها تمرح في فراغ، وهذا الغياب للموقف العربي سوف تكون له عواقب وخيمة”.
وأمام هذا التهاون أو الهوان العربي كان ضروريا أن يحذر المفكر المصري من عواقب السلام الذي يسعى إليه الكيان الصهيوني،
ففي كتابه “على حافة الانتحار” رأى أن إسرائيل ليست لديها نية جادة للسلام بقدر ما هي راغبة في تطويع وقبول من الطرف العربي لسلام من طرف واحد.
ويستدل على رأيه بأن تل أبيب بقياداتها السياسية وزعاماتها الدينية تزرع المزيد من الكراهية ضد العرب، كما أن آلتها العسكرية تتوسع باستمرار على حساب شعب فلسطين،
فضلا عن أنها ما زالت تطور أسلحتها الذرية والبيولوجية والكيميائية وتضعها على حدود مصر ولا تدخر جهدا في المساهمة في تدمير الاقتصاد المصري.
لذلك طالب بأن تعي الدول العربية ما يُحاك لها من قبل الاستيطان الصهيوني، وأن تحذر في تعاملها مع السلام الذي يُطلب منها اللحاق به، وهو ما يحتاج الاستقلال العسكري والاقتصادي.
ويزيد من التحذير في كتابه “إسرائيل النازية ولغة المحرقة”، قائلا “انظروا إليهم كيف يتفاوضون مع العرب ويحسِبون نصيبهم من الأرض بالمتر والسنتيمتر ونصيبهم من الماء فوق الأرض وتحت الأرض وفي جوف الأرض، ويريدون الحفر في الماضي والحفر في الحاضر والحفر في دماغنا ولا نهاية لمطالبهم”.
ولخص رؤيته للسلام بين العرب مع الكيان الصهيوني، بأنه عقد إذعان أكثر منه اتفاقا وتراضيا، وبأنه طريق مرصوف بالجحيم.
واستطرد في كتابه “الطريق إلى جهنم” قائلا “القوة الضاربة الأميركية تساند إسرائيل بينما الإسلام والمسلمون في قفص الاتهام، وكل العالم قد تحالف عليهم، أي سلام سيكون بين طرفين هذا حظهما من المساندة..
ثم لا تكافؤ في أي شيء؟”.
وفي ذلك يتساءل عبر كتابه “الغد المشتعل” حول ماهية التطبيع مع قوة نووية “تطالبنا أميركا بالسلام والتطبيع، وماذا يكون هذا التطبيع أمام تلك القوة النووية الغاشمة؟ أهو تطبيع أم تركيع، أهو سلام أم استسلام؟”.
مخاوف تجاه النيل
و تناول عن الخطر الإسرائيلي إلى كثير من الخطط الصهيونية، ومنها تشويه الإسلام عبر استخدام ودعم من سماهم إسلاميين متطرفين لتدمير الحضارة الإسلامية من الداخل، داعيا في ذلك إلى ضرورة أن يتعامل المسلمون مع المعطيات الجديدة للعصر ونقد الموروث القديم.
ثم إن هناك مخططا آخر تسعى إليه إسرائيل “طفل أميركا المدلل”، كما يصفها في كتابه “ألعاب السيرك السياسي”، وهو الوصول إلى منطقة البحيرات ومنابع النيل لتهديد مصر.
وأردف “لقد كشفت المخابرات الفرنسية عن عمليات تسليح إسرائيلية مكثفة لمليشيات التوتسي والهوتو المتناحرة برواندا وبوروندي وزائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية) وذلك لنشر الموت في القارة الأفريقية حول حزام البحيرات الكبرى، ولكسب صداقة العصابات الإجرامية هناك تمهيدا لأشياء أخرى في المستقبل”.
وفي مقال له حمل عنوان “لا للتطبيع”، لفت إلى تطلعات إسرائيل إلى الوصول إلى مياه نهر النيل عبر سيناء، موضحا أن الحلقة المحكمة لحصار مصادر المياه تضيق أكثر فأكثر.
وأضاف أن إسرائيل تخطط للتحكم في منابع النيل عن طريق السيطرة على منطقة البحيرات الكبرى، وإثارة الحروب والفتن الطائفية والعنصرية بين نصارى الجنوب ومسلمي الشمال في السودان، المنكوب بالتآمر من كل بلاد الجوار الأفريقي.
وتابع “وعلاقات إسرائيل بالحبشة وإريتريا وتسليحها للاثنين وإمدادهما بالمعدات العسكرية أمور لها مقابل، وبوابة البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي وجزر البحر الأحمر، كلها محطات إستراتيجية تقع تحت رقابة وأطماع العين الإسرائيلية طول الوقت”.
وأمام هذه الأطماع المعلنة، تعجّب من أن تمد إسرائيل يدها في تبجح لتطلب التطبيع،
وتساءل “كيف يمكن التطبيع مع هذا الحجم من الحصار العدواني في اللقمة وفي شربة الماء وفي الجو وفي البحر وفي أسلحة الدمار الشامل، التي تريد أن تنفرد بها فلا يشاركها فيها جنس عربي؟.. وكيف تنمو صداقة من خلال التهديد والإجرام؟”.
منع وإقصاء
أسهب في تبيين المخططات الصهيونية والدعم الأميركي لها، وحاول أن يستشرف مصير الوجود الإسرائيلي في المنطقة العربية عبر إنتاجات متنوعة سواء الكتب أو حلقات من برنامج “العلم والإيمان” للغرض نفسه، لكن التلفزيون الرسمي منع عرض بعضها، بحسب ما أكدته تقارير إعلامية.
وقال أدهم نجل الدكتور مصطفى محمود، أن مدير مكتب رئيس الجمهورية للشؤون السياسية الأسبق أسامة الباز أرسل خطابا إلى رئيس مجلس إدارة صحيفة الأهرام آنذاك إبراهيم نافع، يطالبه بلفت نظر مصطفى محمود بعدما نشر مقالا أثار استياء القيادات الإسرائيلية والمنظمات اليهودية.
وأضاف أدهم أن الخطاب لم يقتصر فقط على الاعتراض على كتابات الراحل، بل امتد إلى محتوى برنامجه “العلم والإيمان”، مرجحا أن إسرائيل لعبت دورا رئيسيا في توقف عرض البرنامج على القنوات الأرضية المصرية.
وقال الإبراشي إن مصطفى محمود كان يمثل خطرا على إسرائيل لأنه كان الوحيد الذي يرد على ادعاءاتها من خلال قراءته المتأنية في العقائد والتاريخ والعلوم، وهو ما تسبب في حرج شديد للمسؤولين في الدولة،