خلال السنوات التي أعقبت موجة الربيع العربية عام 2011، كان هناك شبه إجماع بين المراقبين والمحللين المتخصصين بشئون الشرق الأوسط أن مصر فقدت أوراق قوة مهمة وانكمش دورها الإقليمي لجهة الانشغال بترتيب أوضاع الداخل.
أن الموقف بدأ بالتحول مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد عام 2014، موضحًا أن مصر بدأت تجني ثمار سياستها الخارجية القوية خلال السنوات القليلة الماضية.
وأن مصر حققت خلال الأشهر الستة الماضية وحدها انتصارات متتالية في جميع ملفات السياسة الخارجية التي اشتبكت معها مؤخرًا، وأنجزت تقدمًا ملموسًا في جبهات ليبيا والسودان وغزة والعراق وتركيا وقطر والعلاقات مع الولايات المتحدة.
وأن هناك انطباعًا ساد مع شروع دول عربية مثل الإمارات والبحرين والمغرب والسودان في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، يرى أن الدور المصري يوشك على التراجع في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ثم جاءت جولة التصعيد العسكري الأخيرة في قطاع غزة لتبرهن من جديد على أن الوساطة المصرية وحدها هي ما يمكن المراهنة عليها، وفي غضون أيام معدودة أصبحت مصر محط أنظار العالم من جديد.
وأن جولة التصعيد الفلسطيني الإسرائيلي الأخيرة برهنت كذلك على خطأ التصور المغلوط القائل إن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية هي أقوى أوراق مصر الدبلوماسية، فالواقع أن الورقة الحقيقية التي استثمرتها مصر لترتيب التهدئة هي اتصالاتها القوية الدبلوماسية والاستخباراتية مع طرفي الصراع.
وأن نجاح مصر في إثبات قدرتها على وضع حد للتصعيد العسكري في الأراضي الفلسطينية أجبر الرئيس الأمريكي جو بايدن على إعادة تقييم أهمية الدور المصري، وهو ما ظهر في مبادرته بالاتصال بالرئيس عبد الفتاح السيسي قبيل سريان وقف إطلاق النار بساعات قليلة.
وفيما يتعلق بملف سد النهضة، أحيت مصر تحالفها التاريخي مع السودان، مكتسبة دفعة إضافية نابعة من التهديد المشترك لمصالح البلدين جراء إصرار إثيوبيا على الشروع في عملية الملء الثاني للسد دون اتفاق مع دولتي المصب، وأجرت القوات المسلحة المصرية والسودانية سلسلة مناورات مشتركة حملت اسمي “نسور النيل” و”حماة النيل”.
وفي العراق، تستكشف مصر بقوة إمكانيات تعزيز وتكثيف حضورها التنموي في بلاد الرافدين، في إطار البرنامج العراقي “النفط مقابل إعادة الإعمار”.وأن مصر فرضت الكلمة الأخيرة في ليبيا وأجبرت ميليشيات حكومة الوفاق والقوات الأجنبية ومجموعات المرتزقة المساندة لها على وقف تقدمها شرقًا صوب الحدود المصرية، ومع خروج حكومة الوفاق الموالية لتركيا في طرابلس من المشهد وصعود حكومة الوفاق الوطني، سارعت مصر إلى استعادة علاقاتها التقليدية مع جارتها الغربية، ووقعت 11 مذكرة تفاهم مع حكومة الوحدة الوطنية في مجالات عدة مختلفة.
الرئيس السيسي أحرز انتصارين مهمين بشكل خاص في ملف العلاقات مع تركيا وقطر، فالدولتين اللتين تبنتا موقفًا مناهضًا لمصر لسنوات اضطرت في النهاية إلى الاستسلام والسعي لفتح صفحة جديدة في علاقاتهما مع القاهرة، وخلال الشهر الحالي وحده، هرول إلى القاهرة وفد دبلوماسي تركي رفيع المستوى، ووزير الخارجية القطري، وكذا وزير الخارجية الأمريكي.
وختاما إن كل هذه التطورات والتحولات مؤشر لا شك فيه على استعادة مصر مكانتها الإقليمية، وهو ما لم يكن ممكنًا لولا اتباع القاهرة سياسة خارجية قوية مستقلة ترتكز إلى أوراق قوة حقيقية.