هل يتسبب فيروس “كورونا” في نهاية العصر الأمريكي؟
هل يتسبب فيروس "كورونا" في نهاية العصر الأمريكي؟
أن حالة الطوارئ التي فرضها انتشار فيروس كورونا المستجد كشفت إلى أي مدى تتراجع الولايات المتحدة عن دورها القيادي في العالم الحر. ”
فهل نشهد نهاية الحقبة الأمريكية؟“: إنه ”عصر عايشه جميع البالغين في تلك الدولة، إنه العصر الذي بدأ مع نهاية الحرب العالمية الثانية، التي شهدت إفلاس الدول العظمى في العالم، كان الإفلاس أخلاقياً لدى البعض، وسياسياً لدى آخرين، واقتصادياً في معظم الحالات. وفي بعض الأحيان كان الإفلاس ثلاثياً“.
فإن مظاهر النفوذ الأمريكي في تلك الحقبة، التي تتميز بقرار الرئيس الأمريكي الراحل هاري ترومان، الذي يقضي بمساعدة أوروبا مالياً، وجعل أمنها على قمة الأولويات، فضلا عن الهيمنة الثقافية لسينما هوليوود وموسيقى الروك آند رول، والازدهار الكبير للرأسمالية الغربية، والمواجهة النووية مع الاتحاد السوفييتي السابق، التي سبقت الانهيار الفكري والسياسي للشيوعية.
ونتساءل ، هل انتهى هذا العصر؟، وهل تعني كارثة كورونا نهاية النفوذ الأمريكي؟.
ونتطرق الانإلى اللقب الذي ناله الرئيس الأمريكي آنذاك هاري ترومان، حين أُطلق عليه ”زعيم العالم الحر“، وهي العبارة التي يعتبرها البعض لقباً رسمياً، مثلما كانت فيكتوريا ليست فقط الملكة، ولكنها إمبراطورة الهند.
ونتابع”الآن، فإن كونك زعيمًا للعالم الحر ليس منصباً، إنه دور صنعه ترومان من خلال أفعاله ووافق خلفاؤه على تحمل تلك المسؤوليات، ضلّوا الطريق في بعض الأحيان، وكانوا أقوياء للغاية، وضعفاء للغاية أيضاً في بعض الأوقات، ولكنهم قبلوا دوماً تلك المهمة التي أعقبت الحرب، بوصفها مهمة مفروضة ذاتياً عليهم؛ من أجل المضي قدماً، وقيادة الديمقراطيات الحرة، ولدعم آراء وأفعال الدول الحرة“.
وأن الدول الحرة أخطأت في الافتراض الدائم بأن الآراء والمصالح الأمريكية تتطابق معهم، استنادا إلى المواقف التي جرت في معظم مراحل الكفاح والأزمات منذ عام 1945، عندما اعتمد العالم على الولايات المتحدة بوصفها تقوم بتوجيه الدفة.
ومع الاعتبار بأن جائحة كورونا لا تحترم أحداً ولا تعرف حدودا، فإن فينكلشتاين، يرى الأمر من منظور أنها أزمة كاشفة لحجم استجابة كل دولة بصورة منفردة للوضع القائم لديها، فضلا عن قياس القيادة الدولية لمواجهة ذلك.
وحين نستعرض آليات التعامل مع الجائحة، ينظر إلى الرئيس الأمريكي باعتباره ”غير قادر على قيادة رد الفعل الأمريكي تجاه الأزمة، فضلا عن توجيه أو إلهام المؤسسات الدولية“، لذلك رأى أن العالم الحر ليس لديه زعيما، فالرئيس ترامب ”ليس لديه اهتمام لفعل ذلك، وإذا كان لديه هذا الاهتمام فمن ذا الذي سيقوم باتباعه وهو يترنح، ويطلق عباراته الغاضبة خلال مؤتمراته الصحافية المشتتة“.
، فإن ترامب يمثل موقفاً أمريكياً ينمو مع مرور الوقت، يتجسد في أن ”الكثير من الأمريكيين يخشون من مسؤولياتهم الدولية، ويعتقدون أن القيادة الدولية تكلف أموالا وجهدا وطاقة وأرواحا أمريكية، ويعتقدون – ربما على سبيل الخطأ- أن هذا لا يضع الطعام على الموائد الأمريكية أو يجعل أمريكا في مأمن. ربما على النقيض“.
ومع افتراض أن ترامب سيترك البيت الأبيض العام المقبل أو في العام 2025، السوال هل سينتهي هذا الشعور؟، مقدما إجابة قاطعة بأن ”النفوذ الأمريكي هو نتاج لما هو أكبر من الزعامة الدولية للرؤساء الأمريكيين، إنه يتعلق أيضاً بالنموذج الأمريكي، حتى ولو كانت الدولة تجاهد لاحتواء الفصل والتمييز العنصري، الذي بدا لكثيرين أنه مثال للعالم الممكن الوصول إليه“.
الدور الصيني
هناك رؤية ترجح تسبب جائحة كورونا، في تحويل الولايات المتحدة لنموذج آخر، غير ذاك الذي عرف عنها بأنها ”أرض الفرص والحركة والازدهار، وميدان الديمقراطية الدستورية التي تحمي حرية التعبير وحرية المواطنين، الدولة التي دائماً ما تتفوق بخطوة، ووضعت أول إنسان على سطح القمر، وتطور التقنيات الحديثة والشركات العملاقة“.
ونرأى أيضا أن أمريكا حصلت على فرصة لن تتكرر، عندما ”خرجت من الحرب العالمية الثانية أقوى من أية دولة أخرى، كانت أغنى وأقوى وأكثر ثقة في نفسها“، ما سمح للنفوذ الأمريكي بالظهور، ما يعني من وجهة نظره، أنه ”مع نهاية أزمة كورونا فإن أمريكا ستكون من بين الدول المتأثرة بشدة، وستعاني في التغلب على الأضرار الصحية والاقتصادية التي ستلحق بها“
.والسؤال الان: هل ستكون الولايات المتحدة في موقع يسمح لها بقيادة العالم الحر؟ وإذا لم تستطع، فمن الذي سيفعل ذلك، فالدول الأوروبية لا تزال تعتمد مالياً وعسكرياً وأمنياً على الولايات المتحدة، معظم المؤسسات العلمية والصناعية العملاقة في العالم أمريكية، إذا فقدت الإرادة والقدرة على القيادة فإنه لا يوجد أحد حتى الآن يستطيع لعب هذا الدور.
ونخلص إلى أن ”هذا يدفعنا نحو الصين، فهي متحدية وكبيرة بما يكفي لتحمل هذا الدور، إذا استمر نمو نفوذها الاقتصادي والعسكري، وخلّفت أمريكا فجوة وراءها، فإن هذا سيكون كارثياً بالنسبة لنا، ستكون الصين زعيمة، لكن لن تكون زعيمة للعالم الحر“.
وفي النهاية هل رؤيتنا التي وصفت بالتشاؤمية، فرصة للتفكير في ”الدور الفريد“ لأمريكا، الذي بات على المحك، وهو ما يدفع للتفكير- عندما تنتهي تلك الأزمة- في تأسيس هيكل عالمي لا يعتمد فقط على الولايات المتحدة، مع توفير الاستعداد لتمويل ودعم هذا الكيان، وقبول المسؤولية المشتركة، التي تركت للولايات المتحدة وحدها لفترة طويلة، وبدون ذلك، فإن ”الخطر يتمثل في أننا لن نرى فقط نهاية الطغيان الأمريكي، ولكننا سنرى الطغيان نفسه“.