هل يسمح بوتين لأردوغان بالبقاء في منصبه أم يعجل بطرده خارج المشهد السياسي
هل يسمح بوتين لأردوغان بالبقاء في منصبه أم يعجل بطرده خارج المشهد السياسي
بات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الآونة الراهنة، يعاني من مآزق ومعضلات عدة بشكل لم يشهده من قبل على مدار فترة وجوده على الساحة السياسية في تركيا. فعلى صعيد السياسة الداخلية؛ يؤرق هيكل «أرجنكون» العميق المتجذر في مفاصل الدولة التركية جبين أردوغان.
(أرجنكون: هي منظمة سرية تاريخها طويل تعود جذوره إلى القرن الماضي، أما عن تاريخ التأسيس الحقيقي للحركة فهو في عام 1999، حين نشـأت منظمة سرية وكان أهم أهدافها هو «المحافظة» على تركيا دولة علمانية وعسكرية قوية كما كانت في عهد كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة، بعد حملة من المداهمات في حي عمرانية في إسطنبول. وتتهم المنظمة التي أطلقت على نفسها اسم «أرجنكون» نسبة إلى جبل أسطوري لجأ إليه الأتراك القدماء هربًا من جحافل المغول، بقيامها باغتيالات وتفجيرات وزرع عبوات ناسفة في المدن التركية ومحاولة تنظيم انقلاب على الحكومة وتعاون مع منظمات ودول خارجية لزعزعة النظام في تركيا. وتدافع المنظمة عن نفسها بأنها ضحية مؤامرة وتصفية حسابات من قبل حزب العدالة والتنمية الحاكم. وتضم الحركة في صفوفها الطبقة المثقفة وذوي المراكز العالية في تركيا من سياسيين سابقين وكتاب وصحفين ورجال أعمال وجنرالات وقادة عسكريين وقضاة وغيرهم من مختلف الانتماءات العقائدية والحزبية في تركيا).
أما على الصعيد الخارجي، فلا تزال الأزمة السورية وما ينتج عنها من مخرجات بمثابة العقدة التي تلتف حول عنق أردوغان حتى تكاد تخنق أنفاسه. وكوسيلة للخروج من ذلك كله؛ يرى ذلك الطاغية العثماني أن الحل يكمن في الزج بتركيا نحو مغامرات أكبر، والاتجاه نحو عقد تحالفات أكثر خبثًا وقذارة.
لقد اتخذ أردوغان قرارين استراتيجيين بعد عمليات الفساد التي هزت أرجاء تركيا خلال الفترة 17 – 25 ديسمبر 2013، حيث بدأ كرسيه على مقعد الرئاسة التركية في التأرجح من تحته بعد تورط العديد من أركان ومسئولي نظامه في شبهات فساد أطاحت بتلك الهالة من القداسة التي كانت تحيط بهم، وفضحتهم وأزالت الغيمة التي غطت أعين الرأي العام الداخلي التركي عنهم لسنوات عدة. أول تلك القرارات كانت عقد تحالف مع «أرجنكون» ذلك الهيكل العميق المتجذر داخل مفاصل الدولة التركية الذي حاول الإطاحة به من قبل؛ أما ثانيها فتمثل في الدخول إلى المعترك السوري والظهور بمظهر البطل في أعين أبناء جلدته من الشعب التركي.
إن تحالف أردوغان مع «أرجنكون» يعد نتاجًا حتميًا ومنطقيًا لتلك المطاردات التي بدأتها السلطة التي يترأسها في تركيا ضد «حركة فتح الله غولن»؛ والتي بدأت مع الكشف عن عمليات الفساد في تركيا خلال الفترة 17 – 25 ديسمبر 2013 التي تورط فيها ذلك الفاسد وعائلته وكثير من المحيطين به من أركان نظامه، ثم لم تلبث أن وصلت إلى ذروتها أيضًا مع الانقلاب المزعوم التي اُتُّهِمَت الحركة بتدبيره عام 2016. ولعل ما دفع ذلك الأحمق العثمانلي لهذا النوع من التحالف هو أنه لم يكن قويًا بالقدر الكافي مما جعله في حاجة إلى من يتكئ عليه نحو تحقيق ما يصبو إليه.
وهنا نشير إلي أن ذلك الهيكل المتجذر في مفاصل الدولة التركية المسمى بــ«أرجنكون»، الذي ارتبط اسمه بالعديد من جرائم القتل التي وقعت في تركيا خلال سنوات التسعينيات والنصف الأول من الألفية الجديدة، حيث لم تفك طلاسمها حينها، كان قد خاض في السابق تحديًا وصراعًا كبيرًا من أجل إغلاق حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه حليفهم الحالي أردوغان. ولكن بعد الكشف عن جميع الأعمال القذرة لهذه المنظمة واحدة تلو الأخرى؛ فقد جرى اعتقال أكثر من 200 من كبار الجنرالات ورجال الشرطة والأكاديميين ومسئولي المخابرات والمنظمات غير الحكومية (منظمات المجتمع المدني).
لقد وضعت تصفية تلك المنظمة المشبوهة واعتقال أبرز رجالها حدًا لجرائم القتل التي لم يَجْرِ التعرف على مرتكبيها في الداخل التركي، وبالتدريج بدأت تزداد ثقة الشعب في الشرطة وجنودها وأصبح تطبيق القانون وسيادته هو السائد في تلك الفترة. ومع ذلك؛ فإن «أرجنكون»، التي لديها كوادر هامة في كافة المناصب القيادية، لا سيما القضائية والأمنية والاستخبارية والبيروقراطية والجيش، تعافت سريعًا بعد التحالف مع ذلك المختل أردوغان وأصبحت أقوى من ذي قبل.
إن اعتقال عشرات الآلاف من النساء والأطفال وكبار السن والمدنيين والعسكريين والشرطيين والمدرسين ورجال الأعمال والمرضى كان بدوره الأساس لخارطة الطريق التي رسمتها تلك المنظمة المشبوهة لأردوغان. حتى عائلات المعتقلين لم يُكْفَل لها حتى الحق في الحياة، ولم يُسمح لهم بالسفر إلى خارج البلاد أو على أقل تقدير البحث عن وظائف مناسبة لهم، وجرى تصنيفهم على أنهم إرهابيون أمام المجتمع. وبدورها أثارت كل تلك الاجراءات التعسفية تساؤلات عدة لدى الأتراك جعلتهم يزعمون أن «أرجنكون» لم يكن بإمكانها فعل أكثر من ذلك الذي فعلته سلطة أردوغان لو كانت هي نفسها تتحكم في مقاليد السلطة؛ حيث إنها لن تتمكن حينها من تفسير تلك الإجراءات، وإيضاح أسبابها إلى الشعب. لذا فإن أردوغان، وانطلاقًا من هويته المتأسلمة، كان الاسم الأكثر استفادة من ذلك كله.
ومع ذلك؛ فعلى الرغم من أن أردوغان وأرجنكون متحدان ضد حركة غولن التي تعد عدوًا مشتركًا لهم، إلا أن ذلك لا يخفي كرههم الدفين واستعدادهم الدائم دائمًا لخوض غمار حرب جديدة غير مباشرة ضد بعضهم البعض. وتحقيقًا لهذه الغاية؛ لم يَكْتَفِ أردوغان بإجراء تعديلات تشريعية من أجل السيطرة الكاملة على الجيش والشرطة والمخابرات فحسب، بل أطلق أيضًا في الآونة الأخيرة نظامًا جديدًا للحراسة «حراسة الأسواق والأحياء والمحليات»، وهو وحدة أمنية جديدة. ويكمن الهدف الرئيس وراء ذلك النظام الجديد في قمع أي أحداث اجتماعية (مجتمعية) محتملة قد تنشب ضده. لكن أرجنكون، وإدراكًا منها لهذا الأمر، فقد بدأت تشعر مؤخرًا بالانزعاج الشديد من إجراءات التصفية الموجهة نحوها.
وتمثلت العلامات الأولى لهذه الحرب الخفية القائمة بين أردوغان وذلك التنظيم