(اضرب ياسيسى)مصر تحبط انقلاب إثيوبيا على أمنها المائى
(اضرب ياسيسى)مصر تحبط انقلاب إثيوبيا على أمنها المائى
تنطوى أزمة سد النهضة على كثير من الأحداث التى تطرأ بين الفينة والآخرى ،والتى تلقى بظلال كثيفة على مجريات الأمور التى تتعلق بتلك القضية من مد وجزر وتشابك مفاهيم ومسارات منهجية تشق جوهر تلك الأزمة التى اندلعت منذ عشر سنوات مضت،فوسط الزخم الذى تحظى به سياسة إدارة تلك المشكلة جراء التعنت الإثيوبى الذى يسعى إلى تغيير معطيات الحدث لصالحه،نجد القاهرة تستهدف من وراء سياستها و دبلوماسيتها الناجعة إلى الحفاظ على المعنى الحقيقيلتلك القضية بما يتناسب مع فرضيتها التى تترسخ بضرورة وجود اتفاق ملزم وقانونى يصون حقوق أطراف الأزمة مجتمعة ،فذهبت القاهرة بعيدا لتحبط مساعى الإدارة الإثيوبية الرامية إلى حدوث انشقاق بينها وبين السودان،وذلك عبر حملة ترميم لأهداف كلتا الدولتين مما كان له الأثر البالغ فى عدم انفراط عقد ملكية ثوابت الحل الذى تعالت الأصوات المصرية والسودانية المنادية بها،مما فرض الاعتراف دوليا بوجود حقوق شرعية للقاهرة والخرطوم والتى تمثل الوجه الاخر لقضية المياه.
فسياسة مصر تجاه سد النهضة لم تتوقف عند التمسك بمسار الحل السلمى من خلال دائرة التفاوض فقط،بل امتد الأمر إلى إزالة الألغام التى كانت تصنعها أديس أبابا بخارطة الحل التى تروج لها الدولة المصرية دائما،والتى كان آخرها هذا الاستفزاز الإثيوبى الذى نشأ على الحدود المتاخمة للسودان،والتى لا يمكننا أن نفصل بينها وبين ملف سد النهضة بشكل أو بأخر،وذلك فى وقت تنامى فيه التصعيد السياسى السودانى تجاه الأليات الإجرائية للتفاوض بين البلدان الثلاث،من أجل إعطاء فرصة أكبر لخبراء الإتحاد الأفريقى فى الوصول إلى حل لأزمة السد،فى صورة تكاد تكون مغايرة لما تنادى إليه مصر من ضرورة أنتكون للوساطة الدولية دورا أكبر فى إنهاء تلك الأزمة،وذلك لأن مصر تعلم جيدا أن الخروقات الإثيوبية سوف تحدث مستقبلا بهذا الصدد مما جعلها تفضل وجود سياسة حقيقية رادعة لأديس أبابا،فى ظل عجز الإتحاد الأفريقى للوصول لحل لتلك الأزمة مما يجعله غير قادرا على حماية أى اتفاق قد يساهم فى تدشينه،بعكس نفوذ الأطراف الدولية التى سوف تقوم بدور فاعل وقوة تجاه ذلك.
مما ينم عن وجود استراتيجيةمصرية استشرافية لنوايا وخطط إثيوبيا الدفينة من قبل الإدارة المصرية عبر إنشاء مشروع السد.فوسط ذلك تتجه إدارة أبي أحمد لفرض صبغة سياسية محمومة باتجاه الخرطوم بشأن أزمة السد ،وذلك بعد نجاح السودان فى تصدير مخاوف وهواجس مؤكدة إلى الجانب الإثيوبى مؤادها وجود نية من قبل مجلس السيادة الوطنى السودانى فى استعادة الأراضى التى اغتصبت من قبل إثيوبيا منذ سنوات طويلة مضت،والتى من بينها تلك الأراضى التى يتواجد بها سد النهضة،وذلك بعدما نجح الجانب السودانى فى عودة منطقة الفشقة إلى حوزته مرة أخرى والتى تقدر ب٢٥٠ كيلو مترمربع.
والتى تزامنت مع تهديدات إثيوبية بإطلاق عملية الملء الثانى للسد بحلول يونيه القادم دون تنسيق أو اتفاق مسبق مع حكومة السودان،وهذا ما استدعى حديث قائد الجيش الإثيوبى برهانو جولا التى حث فيها على ضرورة ترسيم الحدود بين السودان وإثيوبيا،مما يعد محاولة إثيوبية من أجل لى عنق الحقائق لامتصاص غضب السودان،ذلك الغضب الذى وضعت السودان قواعد واضحة له عندما تحدث وزير الخارجية السودانى عمر قمر الدين بشأن وجود خيارات آخرى لم يسميها حال وصول التفاوض إلى قالب استهلاكى لا يحمل سوى شكل وجوهر الدائرة المفرغة.
حيث قال رئيس حكومة السودان عبدالله حمدوك على هامش اجتماعه باللجنة العليا لمتابعة سد النهضة،أن السودان لن يفرط فى حقوق ملايين السودانيين عبر سياسة الأمر الواقع التى تحاول إثيوبيا فرضها،مؤكدا أن الوقت قد حان لاتفاق قانونى ملزم بشأن السد يحمى حقوق مصر والسودان وإثيوبيا ،وتركز هذا الاجتماع حول دراسة البدائل التى سوف تفرضها سيناريوهات الأزمة وإلى جانب عملية الملء الثانى التى لا تمت بصلة لما توافق عليه الأطراف الثلاث بمسودة اتفاق المبادئ الموقع عام ٢٠١٥.
كما تطرق الاجتماع إلى مستقبل المفاوضات لحل تلك الأزمة،يأتي ذلك على خلفية تصريحات وزير الخارجية السودانى عمر قمر الدين الذى رفض فيها نية إثيوبيا لإجراء الملء الثانى للسد خلال الأشهر القليلة القادمة،معولا على تمسك السودان بالأمل حتى الرمق الاخير،فى إشارة عقد الدورة الجديدة للإتحاد الأفريقى بشهر فبراير القادم تحت رئاسة الكونغو.
أن الجيش السودانى يسعى لتحرير كافة أراضيه والتى من بينها إقليم بنى شنقول التى يتواجد بها سد النهضة،كاشفا عن وثيقة تم توقيعها بين السودان وإثيوبيا عام ١٩٠٢ تخص ذلك الإقليم وتفيد باتفاق الطرفان على عدم إنشاء سدود أو مشروعات بتلك المنطقة،وهذا ما نقضته أديس أبابا من خلال مشروع سد النهضة التى أعلنت عن بناءه عام ٢٠١١.
فيما يقول مستشار وزير الرى السابق الدكتور ضياء القوصي أن الحكومات الإثيوبية المتعاقبة وعدت نظام البشير الذى كان يحكم السودان لسنوات طويلة بحوافز سياسية واقتصادية كبيرة، وكان من بينها تحقيق الاكتفاء الذاتي للسودان من الكهرباء بسعر زهيد بعدما انفصل شمال السودان عن جنوبه المليئ بموارد الطاقة،مضيفا أن من بين تلك الحوافز أيضا إنشاء قناة مائية بين الجانبين، معللا وجود تلك الصفقة بهدف تمرير مشروع سد النهضة الذى فاقم كثير من الأزمات بين الدول الثلاث.ومن هذا المنطلق يمكننا أن نستنتج نجاح القاهرة فى تدعيم منهجية الحل المصرى بانضمام الخرطوم إلى صف حل الأزمة،من خلال اجتماع الرئيس السيسى بالوفد السودانى خلال الأيام الماضية، مما قوض كثيرا من التحركات الإثيوبية التى تسعى لصناعة العراقيل بمسارات التفاوض والسياسة اللذان يعدان خطان متوازيان لتلك القضية، فاستقطاب القاهرة للخرطوم لتبنى الرؤية المصرية تجاه أزمة السد،ساعد كثيرا بوضع سد النهضة بين مطرقة مكتسبات الاتفاق القانونى الذى روجت له القاهرة على الصعيد الدولى والإقليمى وبين سندان توحد وانصهار الأهداف السودانية باتجاه الاستراتيجيةالمصرية.
مما يضع أبي أحمد تحت طائلة سياسة عنق الزجاجة التى تسلط الضوء القاهرة والخرطوم كأطراف للحل وأديس أبابا كطرف للأزمة،والتى بدورها تمنح الدبلوماسية المصرية بريقا كسبب وتعزز النفوذ المصرى كنتيجة، والتى مكنت من استقطاب السودان لمعسكر نظرية الدفاع عن الأمن القومى المائى وليس ما تتذرع به إثيوبيا من حقوقها فى التنمية ،ومن ثم يعتد بذلك كفرصة لفتح الطريق أمام القاهرة لفرض شروطها كحل لأزمة السد بعد أن قوبلت كثيرا بعنصر المماطلةوالخداع من قبل إدارة أبي أحمد،فالمساعى المصرية تستهدف إحباط انقلاب أبي أحمد على شروط الحل التى رسخت لها المنهجية المصرية طيلة الفترة الماضية عبر دبلوماسيتها التى نجحت فى عدم استغلال الورقة السودانية بشكل مضاد،مما عزز من التوجه المصرى نحو تضييق الخناق على حملات التشوية والتضليل الإثيوبية التى تتخفى وراء الأهداف التنموية ومصطلحات الحقوق المشروعة عبر تجريف أى حقوق مكتسبة قد تلجأ إليها عبر سلاح التعنت والرعونة.