السيسى يقطع طريق تأزم الحل على أبي أحمد بحصانة للخط الأحمر ضد السد
يبدو أن حملة الأكاذيب التى تنتهجها إثيوببا ضد دولتى المصب عبر اتهامات عرقلة مفاوضات السد،لن ينجم عنها سوى تكثيف الضغوط الدولية على أديس أبابا لبلورة اتفاق ملزم بشأن السد يفرض الالتزام الثلاثى دون الإخلال بقواعد الأمن المائى للقاهرة والخرطوم ،بعدما نجحتا فى فرض هيمنتهما نحو عدم المقبولية بالقواعد الاسترشادية التى تحايلت إثيوبيا كثيرا لفرضها كمعادلة بديلة لأهداف التفاوض،وذلك بعدما اعتمدت سلوكيات المماطلة التى تسببت فى تعثر جولات الحوار الذى تم برعاية دولية وأفريقية،فتسعى إدارة أبي أحمد من خلال كيل تلك الاتهامات الزائفة لدولتى المصب إلى تعزيز تلاعبها بهذا السد حتى تجعل منه أمرا واقعا لا مفر منه،وهذا بدوره يثير كثير من التساؤلات بشأن الفهم المغلوط للإدارة الإثيوبية عن تلك القضية،أو نستطيع القول أنه يعنون لسوء نوايا أديس أبابا تجاه الأمن المائى لدول المصب.
فالدولة المصرية دشنت استراتيجية خاصة لذلك الملف تمحورت بتحقيق النفع لأطراف الأزمة الثلاث مجتمعة دون الاستئثار طرف واحد بها،مما بدوره ألقى بظلال كثيفة نحو رغبة مصرية ملحة فى عدم إعطاء الفرصة للقوى الدخيلة لاختراق قضية السد،عبر توغل تلك الأطراف الخفية حتى لا يزداد الأمر سوء بصبغة تلك الأزمة بأبعاد آخرى قد تشمل ما هو سياسى منها وغيره، فالقاهرة لم تطالب فى وقت من الأوقات بإزالة هذا السد،بل تضمنت منهجيتها لحل الأزمة فرض قانون يحكم تشغيل وإدارة السد بما لا يضر بمصالح القاهرة والخرطوم المائية،فى حين تتحس أديس أبابا مسارات المؤامرة لتعزف عليها دوليا ضد دولتى المصب من أجل إماطة اللثام عن تلك المماطلة التى نجحت القاهرة فى دفنها بالرمال،عبر أنياب دبلوماسيتها التى تركت أثار اعتبارات الأمن القومى المصرى بوجه السد،إلى جانب إفشال السد كنموذج اختبار وحقل تجارب لتجزئة حقوق مصر التاريخية.
فالسودان قد أدرك مؤخرا حيوية المفاهيم القومية التى تسعى القاهرة لفرضها باتجاه التحركات الإثيوبية،ومن ثم ظهر ذلك جليا بتضامن الخرطوم مع الرؤية المصرية،فتوقيت عودة السودان لتصعيد مبدأ ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم كانت مناسبة للغاية،وذلك لأنها استبقت عملية الملء الثانى للسد المزمع سريانه خلال الأشهر القليلة القادمة ،والذى تحوم كثير من الشكوك حول صحة تنفيذه وسط تحديات أمنية وفنية يواجهها السد،فخسارة السودان للقاهرة كطرف فى تلك الأزمة وكظهير قوى يمكنه تغير مجريات الأمور كان من السهل أن يجذب ويلات شتى على سد الروصيرص بوجه خاص وأمن السودان بوجه عام،وبهذا تعد مصر هى الركيزة الأساسية التى تستطيع إحداث حالة من الثبات بأمن السودان المائى عبر نفوذها الدولى والإقليمى،كما أن المنطق المصرى الذى ينساق خلف القاعدة التى تشير إلى أن الأمن المصرى المائى يبدأ من السودان،قد سببت حالة من الارتياح والثقة لدى الحكومة السودانية إزاء الحراك المصرى المتعاظم بهذا الملف.
حيث صرح متحدث الرئاسة المصرية بسام راضى على خلفية اللقاء الذى جمع بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس مفوضية الإتحاد الأفريقي موسى فقيه، قائلا أن الرئيس المصرى أكد على عدم السماح بمساس أمن مصر المائى وحقوقها التاريخية بالنيل الأزرق، ويضيف راضى أن الرئيس السيسي قد حث على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانونى وملزم يحمى الشواغل المصرية التى تتضمن عملية إدارة وتشغيل السد، وجاء فحوى اللقاء ليشمل عدة رسائل هامة من قبل الرئيس السيسي الذى فصل لأبعاد تلك الأزمة قائلا أن مسار التطور يجب أن يشمل قبل أى شيئ الاستقرار وإنشاء بنية متكاملة تعزز من بين تنمية الدول الأفريقية بشكل عام وتربط بين الإقاليم الجغرافية وبعدها البعض،وفى نفس السياق أكد رئيس مفوضية الإتحاد الأفريقى موسى فقيه على أن مصر ستظل تمد يد العون إلى أشقائها الأفارقة لإحداث التنمية و الازدهار ببلدانهم،ويضيف فقيه أن دور الإتحاد الأفريقى يقوم ويعتمد فى الأساس على دور مصر المحورى والنافذ بالمشكلات التى تواجه القارة الأفريقية ،مؤكدا على ثقته فى الدور المصرى القادر على حفظ الأمن والاستقرار بالقارة الأفريقية.
ومن هذا المنطلق يمكننا أن نؤكد على رؤية مؤسسية جديدة للإتحاد الأفريقى تختلف عن الدورة السابقة التى كان تترأسها دولة جنوب أفريقيا،مما يؤشر لنجاح الدبلوماسية المصرية فى عزل سياسات إثيوبيا ومنعها من التغلغل بتوجه دولة الكونغو التى تعد الرئيس الجديد للدورة الأفريقية التى تبدأ خلال هذا الشهر الجارى،مما يسمح لتبنى وجهة النظر المصرية للحل بشكل هيكلى مما يضع الضغوط تتنامى على رقبة أبي أحمد لإقرار منهجية القاهرة كحل وحيد للأزمة،فانجذاب الإتحاد الأفريقي وثقته بالدور المصرى يؤكد على شرعية الحلول المصرية لأزمة السد وموثوقية تطبيقها بعدالة،مما يضيق الخناق بشدة على أى خروج عن القواعد المنصوص عليها والتى من بينها اتفاق المبادئ الذى وقعته الأطراف الثلاث عام ٢٠١٥،مما يساهم فى تطويق أديس أبابا بشكل كبير بقلب الطاولة على سوء نواياها التى تكتنفها خلف هذا السد،والذى بدوره سيشكل ذراعا قوية نحو تسويق المماطلة الإثيوبية دوليا عبر الإتحاد الأفريقى،مما قد يجعل من منهجية مصر مسودة اتفاق وأرضية مشتركة لحل الأزمة بالدعم المؤسسى الإفريقى إذا وصل تلك القضية إلى أروقة مجلس الأمن،وهذا فى حد ذاته تنبؤ قابل للتحقق فى ظل هذه السياسة الإثيوبية الفظة.
فحديث الرئيس السيسى عن مدلولات ومعطيات السد كصورة حقيقية للمشروعات التنموية_كما تحاول إثيوبيا تصديرها داخلبا وخارجيا يزيح الستار عن كونه إحدى آليات المؤامرة الإثيوبية التى تختبئ وراءها قوى آخرى، فهذا السد لن يكون مصدر للمنفعة العامة بل جاء ليحقق مصالح إثيوبيا وأطراف آخرى ليست من بينها دولتى المصب ،وأولى تلك القرائن لا يخفى على أحد ،والتى بدت عبر عدم الانصياع الإثيوبى لعدم ملء السد وقتما كانت ترعى أمريكا جولة من التفاوض بين الدول الثلاث فى وجود البنك الدولى ،فجاءت إشارة الرئيس السيسى التى رمز إليها بأن المشروعات التنموية هى مناط الاستقرار وإنشاء البنية التكاملية بين البلدان الأفريقية
وهذا أيضا لم يحدث،لأن السد تسبب فى إحداث هوى وفجوة عميقة قد تجسرت بين أطراف الأزمة،ومن ثم تسعى القاهرة نحو فرض حصانتها لسياسة الخط الأحمر التى تجلت بمنهجية الحل المتضمنة وجوب التوصل إلى اتفاق ملزم وقانونى لتلك القضية ،والتى تجسد المعنى الحقيقي لمصطلح الفرصة الأخيرة أمام إدارة أبي أحمد.