. المعارضة تشكل الحكومة.. وباباجان رئيسًا لتركيا
لا يزال فيروس كورونا المستجد يواصل تأثيراته السلبية على شتى جوانب الحياة في تركيا؛ خاصة فيما يتعلق بالشق الاقتصادي. إذ تعاني تركيا من تدهور اقتصادي كبير نتيجة ذلك الفيروس التاجي الجديد، الذي سبقه سياسات اقتصادية كارثية من السلطة الحاكمة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، بزعامة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. ولعل أبرز جوانب ذلك التدهور والاضطراب الحالي هو أن تلك الدولة التركية عليها ديون تقدر بـ170 مليار دولار تحتاج إلى دفعها بشكل عاجل، دون أن يحتكم البنك المركزي لديها في الوقت الراهن علي أي أموال تُذْكَر. ويبدو أن ذلك هو ما دفع تركيا مؤخراً إلى رفع حجم اتفاق مبادلة العملة مع قطر من 5 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار في سبيل توفير سيولة من النقد الأجنبي لإنقاذ الليرة المنهارة؛ فلا يوجدتفسير للأمر سوى ذلك.
تركيا على اعتاب انهيار الاقتصاد والسقوط في حربين
بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية؛ تتواصل حالياً رحى الحربين الكبيرتين اللتان تخوضهما تركيا في سوريا وليبيا بأقصى سرعة، حيث يسعى أردوغان من خلالهما لإرضاء طموحاته وأطماعه التي لا تنتهي، والصراع من أجل السيطرة وبسط نفوذه على العديد من البلدان. وتشير التقديرات إلى أن الراتب السنوي للمرتزقة السوريين المرسلين إلى ليبيا وحدهم يصل إلى قرابة الـ250 مليون دولار. أضف إلى ذلك أيضاً الأسلحة، والاستخبارات، والسفن الحربية، وتكاليف الطعام والشراب… ولتحسب أنت التكلفة الإجمالية. ربما تتولى قطر المسؤولية عن تغطية تلك النفقات، لكننا لسنا متيقنين من ذلك.
من يتحمل تكلفة الحرب؟
لكن تكلفة الحرب في سوريا أعلى بكثير من ليبيا. فتركيا، التي تحتل الجزء الشمالي من سوريا، مطالبة بأن تسد احتياجات الناس في تلك المناطق. وهنا علينا أن نوضح أن الصراع على النفوذ في العديد من البلدان، من اليمن إلى الصومال ومن العراق إلى إثيوبيا، له تكاليف باهظة بلا شك.
المشهد السياسي يزاد سخونة
على صعيد السياسة الداخلية؛ فقد أصبح المشهد السياسي ساخناً للغاية. فحزبا «المستقبل» و«الديمقراطية والتقدم (ديفا)»، اللذان أسسهما اسمان مهمان انشقا عن حزب العدالة والتنمية (أحمد داود أوغلو وعلي باباجان)، صارا يصنعان اسماً لهما تدريجياً لدى القاعدة الشعبية. وبالرغم من أنهم لا يتمكنان من الظهور على شاشات التلفزيون التي يسطر عليها نظام أردوغان، إلا أن مقابلاتهم على القنوات التي تبث عبر وسائط مثل «يوتيوب» تحطم أرقاماً قياسية في نسبة المشاهدة. يريد الناس حقاً وجوهاً جديدة وأفكاراً جديدة في السياسة. يبحثون، على وجه الخصوص، عن وجوه بديلة من شأنها أن تبطل تلك الحجة التي تلجأ إليها قاعدة حزب العدالة والتنمية حينما تتساءل: «لمن سنمنح أصواتنا إذا لم نصوت لحزب العدالة والتنمية؟!». فإذا تمكن أحمد داود أوغلو وعلي باباجان من إقناع الشعب التركي بأنهما قد يكونان بديلاً لأردوغان، حينها يمكن بسهولة تفتيت تلك الكتلة التصويتية المتحجرة لذلك الحزب الحاكم التي تقدر بنسبة 30 %.
هنا نطرح تساؤلاً مفاده: «إذا خسر أردوغان الانتخابات بطرق ديمقراطية طبيعية، فهل سيغادر حينها مقعده؟»
إن ذلك الأمر تدور حوله العديد من النقاشات، لكن إجابته واضحة؛ لأن السبب الذي يجعل أردوغان يسعى إلى السيطرة على جميع المؤسسات، بدءاً من الجيش والشرطة وصولاً إلى وسائل الإعلام والقضاء واضح للعيان، وهو عدم التخلي عن مقعده بأي شكل من الأشكال حتى لو اُضطر إلى القتال دونه إذا لزم الأمر. ولهذا السبب؛ أنشأ أردوغان بنية شبه عسكرية لحمايته تسمى «الحراسة والمراقبة».
قوات شبه عسكرية ومنظمة مافيا للدفاع عن أردوغان
هناك أيضاً منظمة مافيا تركية تسمى «صادات»، تعمل مثل شركة «فاغنر» الروسية. وتقوم مثل هذه الشركات بتدريب المرتزقة السوريين على فنون القتال. وعلى الرغم من أن بعض هؤلاء المرتزقة يجري استغلالهم اليوم في القتال في ليبيا وسوريا، إلا أنه ما الذي يمنع خروجهم إلى الشوارع غداً وانتشارهم للدفاع عن أردوغان؟!
هؤلاء المرتزقة، الذين يصل عددهم إلى عشرات الآلاف، هم أيضاً الضامنون لنظام أردوغان. وعلى الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح من الذي يقف وراء قطع رؤوس الجنود الأتراك وقتلهم خلال محاولة الانقلاب المزعومة في 15 يوليو، إلا أن أصابع الاتهام تشير إلى أن مرتزقة أردوغان هم الضالعون وراء ذلك.
استطلاعات رأي: أغلبية أردوغان في البرلمان غير مضمونة
ليس من السهل الجزم ما إذا كان أردوغان سيترك مقعده في الرئاسة بالطرق السلمية الديمقراطية من عدمه، تماماً كما يصعب التنبؤ بماهية ما يفعله حالياً وما سيفعله مستقبلاً في السياسة الداخلية والخارجية. فوفقاً لدراسات الرأي العام، يبدو من الصعب جداً على أردوغان وحليفه حزب الحركة القومية تحقيق الأغلبية في البرلمان بأنفسهما. وبالمثل كذلك، فإن الانتخابات الرئاسية ليست مضمونة لأردوغان.
حزب الشعب يشكل الحكومة وباباجان رئيساً
ففي حالة إجراء انتخابات ديمقراطية، فإن معدل التصويت لحزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية مجتمعين يتراوح بين 40-45 %. وبالنسبة للانتخابات الرئاسية، فإن نسبة التصويت لأردوغان هكذا سوف تكون أقل من 50 %، كما أنه إذا جرى الدفع بمرشح قوي في مواجهته، فقد ينخفض معدل الأصوات الممنوحة له أكثر فأكثر. ننوه هنا أيضاً إلى أن نسبة التصويت للكتلة، التي تقف في مواجهة الرئيس التركي، تتراوح بين 55 و60 %. وفي هذه الحالة، قد تنشأ حكومة بقيادة «حزب الشعب الجمهوري». ويمكن لداود أوغلو وعلي باباجان أيضاً دعم «حزب الشعب الجمهوري» وحليفه «حزب الخير». وفي الواقع، يمكن الدفع بباباجان للمنافسة مع أردوغان في الانتخابات الرئاسية. فعلى الرغم من أن باباجان لديه حتى الآن ملف شخصي أقل بكثير من التوقعات، ولا يمكنه تلبية الطموحات، إلا أنه من المنتظر أن يصبح زعيم حزب «الديمقراطية والتقدم (ديفا)» أكثر نشاطاً وتأثيراً مع مرور الوقت.