تحيي الأمم المتحدة غداً (الاثنين) 29 أغسطس، اليوم الدولي لمناهضة التجارب النووية، الهادف لزيادة الوعي والتثقيف بشأن آثار التفجيرات التجريبية للأسلحة النووية أو أي تفجيرات نووية أخرى، وضرورة وقفها باعتبارها من الوسائل الكفيلة بتحقيق هدف إيجاد عالم خالٍ من الأسلحة النووية. ورغم الاهتمام الواسع، الذي توليه الأمم المتحدة لمسألة «نزع السلاح النووي»، إلا أن عالم اليوم يشهد اتجاهاً معاكساً لذلك الهدف، الذي نصت عليه معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
ومطلع الشهر الجاري، عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن المخاوف، التي تلف العالم من انتشار الأسلحة النووية، مسلطاً الضوء على عودة سباق التسلح النووي، وحجم الاستثمارات الضخمة، التي تنفقها الدول النووية، من أجل تطوير ترسانتها وتحديثها.
سباق التسلح النووي الجديد اعتبره غوتيريش بمثابة ارتداد عن جهود نزع السلاح النووي، وذلك بتأكيده- خلال حوار مع إحدى القنوات اليابانية بمناسبة الذكرى الـ 77 للقصف الذري على هيروشيما- أنه في القرن الماضي كانت عمليات نزع السلاح النووي تمضي قدماً حول العالم، لكن فجأة حدث عكس ذلك تماماً.
وعلى وقع الصراعات التي يشهدها العالم، وفي ضوء تنامي التهديدات والمخاطر المختلفة، بدت عمليات تحديث الترسانة النووية والكشف عن ابتكارات جديدة نمطاً مألوفاً، بما يتعارض مع قضية نزع السلاح النووي، كما بدا التلويح باستخدام الأسلحة النووية حاضراً في عديد من الصراعات ضمن أدوات «الردع الاستراتيجي»، ما يعرض الأمن والسلم الدوليين لمخاطر، ويضفي مخاطر أوسع على الصراعات القائمة، حيث بات العالم يقف أسير رعب «كبسة زر» لتحدث الكارثة، بينما عززت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا مخاطر استخدام الأسلحة النووية، لا سيما أن موسكو تمتلك أكبر ترسانة نووية في العالم (لجهة امتلاكها 6850 رأساً نوويا طبقاً لتصنيف بزنس إنسايدر)، كما جاء التوتر الصيني الأمريكي كعامل محفز للذعر النووي حول العالم.
النادي النووي
يقول المدير الأسبق لإدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية اللواء سمير فرج: إن هناك تسع دول حول العالم تمتلك سلاحاً نووياً، وهي: الولايات المتحدة وروسيا (التي تمتلك أكبر مخزون نووي) والمملكة المتحدة وفرنسا والصين، ثم من بعد الخمس الأوائل الأكبر تأتي كل من الهند وباكستان وكوريا الشمالية (وهي قوى نووية من غير الأعضاء بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية)، وإسرائيل، التي تعتبر من الدول النووية غير المعلنة، بينما هناك ثلاث من الدول الكبرى ليسوا أعضاء في النادي النووي وهي (ألمانيا واليابان وإيطاليا)، والذين كانوا يمثلون دول المحور في الحرب العالمية الثانية، ولم يُسمح لهم بامتلاك النووي بعد الحرب.
ويلفت فرج في السياق نفسه إلى صراع التسلح النووي، الذي يشهده العالم في ظل تنامي الصراعات، بموازاة مساع أخرى لدخول النادي النووي، بما يشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين. ويقول: «بعد بدء العملية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير الماضي بدأ العالم يتعرض لمخاطر أكبر لجهة التهديد النووي، وعادت للواجهة مسألة سباق التسلح النووي، مشيراً إلى أن الروس قدموا صواريخ فرط صوتية، تصل سرعتها إلى تسعة أضعاف سرعة الصوت، بالتالي تصل واشنطن في خمس دقائق، بعدما كانت الصواريخ السابقة تصل في 17 دقيقة، وبالتالي زمن الإخطار اختفى تقريباً».
وفي ظل تسابق الدول النووية على تحديث ترسانتها، يعتبر اللواء فرج أن «خطر النووي يهدد العالم كله»، موضحاً أن الصراع الحالي بين روسيا وأكرانيا هو بين طرف نووي (روسيا) وآخر تقليدي (أوكرانيا)، وهو ما يخفف من خطورة المواجهة مقارنة بالمواجهة بين قوتين نوويتين.
ويتحدث فرج أيضاً في السياق نفسه عن أن المشهد بين الصين (باعتبارها قوة نووية) وتايوان هو مشهد مماثل تقريباً للحالة بين روسيا وأوكرانيا، لكنه لا يعتقد أن بكين سوف تقدم على المغامرة بأي عمل عسكري- مع قدرتها على ذلك- نظراً لما لهذا الأمر من تبعات محققة على الاقتصاد الصيني.
وعادة ما تؤكد الدول النووية أنها لن تبادر باستخدام النووي إلا إذا أجبرت عليه في حالة الدفاع عن النفس، في وقت تشير فيه الإحصاءات المرتبطة بانتشار الأسلحة النووية إلى مخاطرها الواسعة، باعتبار أن تلك الأسلحة من كافية من أجل تدمير العالم، وأن ترسانة روسيا النووية وحدها قادرة على تدمير البشرية.
ردع استراتيجي
ويلفت أستاذ العلوم السياسية رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، اللواء نصر سالم، في تصريحاته إلى أن ما يشهده العالم من سباق تسلح نووي، ربما يشكل «رادعاً» بما يكفي لعدم استخدام النووي أو الدخول في حرب نووية بين الدول الكبرى، ويوضح في السياق نفسه أن «هذا الرعب النووي هو الرادع الذي يجعل القوى النووية لا تستخدم السلاح النووي، وإن كانت تُهدد أو تلوح به، وتروج لحجم استثماراتها في تطوير ترسانتها من الأسلحة النووية وسرعتها وعدد الرؤوس المحمولة بها وغير ذلك، ذلك أن هناك إدراكاً لحقيقة أن تلك القوى إن دخلت في مواجهة نووية فإن ذلك من شأنه تدمير العالم».
ومن هذا المنطلق، لا يجد سالم سباق التسلح النووي ما يشكل تهديداً بمعنى الذعر، معتبراً أن “سباق التسلح النووي هو نوع من الردع والتخويف النووي ضمن أدوات الردع الاستراتيجي.
ويشبه تلويح أو تهديد قوى نووية بعينها باستخدام النووي بـ«من يهدد بتفجير نفسه ومن حوله» بالإشارة للتبعات المدمرة لاستخدام الأسلحة النووية على العالم بأسره، مختتماً تصريحاته بقوله: «الرعب النووي أفضل رادع وأمان نووي من قيام حرب نووية»، على حد وصفه. ووفقاً لإحصاءات جمعية الحد من السلاح في العام الصادرة العام الماضي، فإن الدول النووية تمتلك 13500 رأساً نووية حتى العام 2020، تستحوذ كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا على نسبة 90% منها.