اعداد/جمال حلمي
رفض الصومال، التي تعد أرض الصومال جزءا من أراضيه، الاتفاق. وسارع الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، إلى توقيع قانون يلغي بمقتضاه مذكرة التفاهم.
ودعمت الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي سلامة أراضي الصومال، وحثتا جميع الأطراف على تهدئة الأوضاع.
ودعا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد إلى الهدوء والاحترام المتبادل “لتهدئة التوتر المتصاعد” بين إثيوبيا والصومال.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر أيضا إن بلاده تشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بأن إثيوبيا ستعترف باستقلال أرض الصومال.
وأضاف في مؤتمر صحفي: “أننا ننضم إلى الشركاء الآخرين في التعبير عن قلقنا البالغ أيضا بشأن تصاعد التوترات الناتجة في القرن الأفريقي”.
وأعلنت تركيا، التي تؤدي دورا مهما في الصومال، “التزامها بوحدة الصومال وسيادته وسلامة أراضيه”.
ماذا قالت إثيوبيا؟
قال رئيس الوزراء، آبي أحمد، في أكتوبر إن وجود إثيوبيا “مرتبط بالبحر الأحمر”، مضيفا أنه إذا كانت دول القرن الأفريقي “تخطط للعيش معا في سلام، فعلينا .. أن نجد طريقة للتقاسم المتبادل بطريقة متوازنة”.
ووصف الوصول إلى البحر العام الماضي بأنه قضية وجودية.
وكانت إثيوبيا، وهي الدولة غير الساحلية الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، قد فقدت موانئها عقب انفصال إريتريا في أوائل التسعينيات.
ومنذ ذلك الحين، اعتمدت إثيوبيا بشكل أساسي على جيبوتي الدولة الأصغر في عمليات موانئها.
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود تعهد بالحفاظ على وحدة أراضي الصومال
لماذا أثار الاتفاق الجدل؟
تعد أرض الصومال بالنسبة إلى الصومال جزءا لا يتجزأ من أراضيها. ولذلك فإن أي اقتراح بإمكانية عقد صفقة مع دولة أخرى، أو تأجير أجزاء منها، دون موافقة مقديشو يمثل مشكلة كبيرة.
ولذلك وصف الصومال الاتفاق في اليوم التالي لتوقيع مذكرة التفاهم، بأنه عمل من أعمال “العدوان”، يشكل “عائقاً أمام السلام والاستقرار”. واستدعت سفيرها من أديس أبابا.
وصعّد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لهجته يوم الأحد قائلا: “سندافع عن بلادنا .. بكل الوسائل الضرورية وسنسعى إلى الحصول على دعم أي حليف يرغب في مساعدتنا”. ودعا الشباب إلى “الاستعداد للدفاع عن بلادنا”.
واندلعت في الأسبوع الماضي احتجاجات في مقديشو على الاتفاق، خرج فيها عشرات الآلاف للتعبير عن معارضتهم له.
وكانت أرض الصومال قد انفصلت عن الصومال بعد نزاع مسلح قائم على أسس عرقية. ولا تزال جراح الأسر على جانبي الحدود لم تلتئم.
وتعمل أرض الصومال منذ انفصالها بشكل مستقل، على الرغم من قلة إيراداتها وعدم إمكانية وصولها إلى سبل التجارة الدولية. وتطبع الدولة الصغيرة جوازات سفرها بنفسها، وتصدر أيضا عملتها المعروفة بشلن أرض الصومال، وتجري الانتخابات.
لكن مقديشو تعتبر أي اعتراف دولي بأرض الصومال بمثابة اعتداء على سيادة البلاد. وقد أعلن عن مذكرة التفاهم بعد أيام فقط من موافقة مقديشو وهرغيسا على استئناف الوساطة التي تقودها جيبوتي بهدف إقناع الطرفين بحل قضاياهما العميقة.
ويعد طموح رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، المعلن لتأمين الوصول إلى البحر الأحمر مصدرا للتوتر بين الصومال، وهي الدولة الواقعة في القرن الإفريقي، وجيرانها، وأثار هذا مخاوف من نشوب صراع جديد في المنطقة.
وستصبح إثيوبيا، إذا طبقت بنود مذكرة التفاهم أول دولة تعترف بأرض الصومال بوصفها دولة مستقلة.
ما احتمالات نشوب نزاع مسلح؟
يقول مراقبون إن هناك مخاوف من حدوث خلاف دبلوماسي طويل الأمد بين إثيوبيا والصومال، لكن من غير المحتمل نشوب نزاع مسلح بينهما.
وقد اندلع في الماضي صراع إقليمي بين البلدين. ففي عام 1977، غزت الصومال منطقة أوغادين، وهي منطقة حدودية متنازع عليها تقع الآن في إثيوبيا. وفازت إثيوبيا في الحرب بدعم من الاتحاد السوفييتي وكوبا.
ولا تقارن قوة الصومال العسكرية بما تتمتع به إثيوبيا في الوقت الحالي. فبينما يبلغ تعداد الجيش الصومالي 20 ألف جندي، يصل عدد أفراد الجيش في إثيوبيا إلى أكثر من 130 ألف جندي.
ويعاني البلدان بالفعل من عدم الاستقرار داخليا. وتخوض مقديشو حربا طويلة مع حركة الشباب المسلحة، بينما تتعامل إثيوبيا مع تبعات حرب تيغراي بالإضافة إلى صراع جديد في منطقة أمهرة.
اتفاق الدفاع المشترك بين إثيوبيا وجيبوتي؟
التوقيع يتزامن مع أزمة بين أديس أبابا وأسمرة بعد حديث آبي أحمد عن ضرورة إيجاد منفذ بحري لبلاده
يبدو أن إثيوبيا ماضية في بحثها عن منفذ بحري وتوفير ميناء سيادي لها على البحر الأحمر، إذ شهد الأسبوع الجاري توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم للتعاون في مجالي الدفاع والأمن مع جيبوتي، تقضي بالتنسيق العسكري والدفاع المشترك في حالات التعرض لأي خطر.
يأتي هذا التطور في ظل ظروف معقدة تشهدها منطقة القرن الأفريقي، بخاصة بعد الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في البرلمان الإثيوبي قبل نحو شهر، وأعلن فيه عن استراتيجية بلاده للحصول على منفذ في البحر الأحمر، مشيراً إلى أن “التعداد السكاني الذي تضاعف بشكل كبير، وقد يصل إلى 150 مليون نسمة بحلول عام 2030، يفرض على حكومته ضرورة توفير ميناء سيادي على البحر الأحمر”.
خطاب آبي أحمد أثار موجة غضب في كل من إريتريا والصومال وكذلك جيبوتي، إذ صرح حينها ألكسيس محمد، أحد كبار مستشاري الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي، بالقول “لقد حافظ بلدانا (جيبوتي وإثيوبيا) دائماً على علاقات ودية قوية، لكن ينبغي على الأشقاء في إثيوبيا، أن يعلموا أن جيبوتي دولة ذات سيادة، بالتالي فإن سلامة أراضيها (بحراً وبراً)، ليست موضع نقاش، مع أي طرف لا اليوم ولا غداً”.
فيما دانت وزارة الإعلام الإريترية خطاب آبي أحمد في بيان مقتضب معتبرة إياه، أي الخطاب، “لا يستحق الاهتمام”، وأنه بمصاف “أحاديث القيل والقال” أكد البيان سيادة إريتريا على أراضيها، ولاحظ مراقبون وقوع أزمة صامتة بين الحليفين السابقين في حرب تيغراي، الرئيس الإريتري ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، فعلى المستوى الإعلامي، نشطت القنوات المحسوبة على النظامين، في إطلاق حملات عدائية، في حين ركز التلفزيون الإثيوبي خلال الشهر الماضي على تسليط الضوء على أحقية بلاده في الحصول على منفذ بحري.
تدارك فتيل الأزمة
وكرر رئيس الوزراء الإثيوبي مطالب بلاده مجدداً في الجلسة الأخيرة للبرلمان التي انعقدت قبل أسبوعين، وقد بدا خطابه هذه المرة، أكثر تحديداً لجهة الشواطئ التي يريد الوصول من خلالها إلى منفذ بحري، إذ أوضح أن بلاده ظلت تمتلك ميناءين حتى تاريخ استقلال إريتريا، منوهاً بأن حصول بلاده على المنفذ البحري، لا يمثل انتهاكاً للسيادة الإريترية، الأمر الذي ضاعف التوتر السياسي بين أديس أبابا وأسمرة، من جهة، في حين أثار ارتياح جيبوتي نظراً إلى استبعادها من قائمة المطالب الإثيوبية، مما اعتبر محاولة لتدارك فتيل الأزمة بين أديس ابابا وجيبوتي، بخاصة أن الأخيرة لا تزال تمثل الميناء الوحيد الذي تعتمد عليه الأولى، في جميع مناشط الاستيراد والتصدير.
وعلى مستوى النشاط الدبلوماسي، فقد تجسد السعي الإثيوبي لنزع فتيل الأزمة مع جيبوتي وتحييدها عن خطة الحصول على المنفذ البحري في القمة الأفريقية- السعودية التي انعقدت في الرياض أخيراً، فبينما تجنب كل من الرئيس الإريتري ورئيس الوزراء الإثيوبي أي لقاءات مباشرة، عقد كل من إسماعيل جيلي رئيس جيبوتي وآبي أحمد، مباحثات ثنائية على هامش القمة، واتفقا على ضرورة تفعيل أعمال اللجان المشتركة بينهما، لعل أحد أهم معالمها تبين في الاتفاق الذي وقع في جيبوتي ويخص قضايا الدفاع والأمن.
تعزيز المطالب الإثيوبية
بدوره رأى المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، عبدالرحمن أبو هاشم، أن توقيت توقيع مذكرة التفاهم، حول الدفاع المشترك بين جيبوتي وإثيوبيا، يتزامن مع الأزمة التي فجرها رئيس وزراء إثيوبيا مع إريتريا تحديداً، المتعلقة بسعي بلاده للسيطرة على منفذ بحري في الشواطئ الإريترية، مما يحمل دلالات سياسية واستراتيجية كبيرة، لعل أهمها ما يشير إلى العلاقات الوطيدة التي تتمتع بها جيبوتي مع فرنسا (المستعمر السابق)، وتشمل اتفاقيات تعاون في شتى المجالات بما في ذلك مجال الدفاع والأمن، مما يعني حسب تقديره، وجود موافقة فرنسية مسبقة لهذا الاتفاق، بخاصة أن لباريس اتفاقيات مبرمة مع أديس أبابا تتعلق بالتعاون في المجال العسكري، الذي يشمل تدريب وتأهيل “القوات البحرية” الإثيوبية الناشئة حديثاً.
ويضيف أبو هاشم “ثمة بعد آخر يتعلق بالعلاقة المتوترة بين جيبوتي وإريتريا، التي لم تتحسن على رغم المبادرة القطرية، التي هدفت إلى إحداث مصالحة سياسية بين نظام الرئيس أسياس أفورقي، ونظيره الجيبوتي عمر جيلي، إذ لا تزال الأزمة تراوح مكانها، مما يدلل على أن أي اتفاقيات تتعلق بالدفاع بين جيبوتي وجارتها الجنوبية، قد تبدو موجهة ضد أسمرة، بخاصة في ظل التوتر الذي تشهده علاقات الأخيرة بأديس أبابا”.
ورأى المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، أن الاتفاق الأخير الموقع في جيبوتي، يعزز الخطة الإثيوبية المعلنة حول المنفذ البحري، موضحاً “إذا كان لدى إثيوبيا أي خطة للسيطرة على ميناء عصب الإريتري وضمه لسيادتها، فإن ذلك سيتطلب تعاون جيبوتي، سواء بالسماح للقوات الإثيوبية باستخدام أراضيها ومياهها الإقليمية، أو الحصول على تسهيلات للدعم اللوجيستي، مما يستوجب ضرورة توفير إطار قانوني، وهو ما وفرته المذكرة الأخيرة للدفاع المشترك”.
وتابع أبو هاشم “ثمة بعد آخر يتعلق بالمستوى السياسي، إذ إن الاتفاقية قد تبعث برسالة سياسية، مفادها أن لأديس أبابا خيارات عدة في مواجهتها المرتقبة مع إريتريا، بخاصة أن الاتفاق مع جيبوتي في حده الأبعد يخص جهات دولية، لها وجود فعلي في جيبوتي عبر المستويين السياسي والعسكري، أهمها فرنسا”.
وينوه أبو هاشم بأنه على رغم التداخل السكاني بين إريتريا وجيبوتي، فإن ثمة أزمات عالقة بينهما، تعززها الخيارات السياسية، ذات الأبعاد العرقية، في حين يوفر هذا البعد أرضية لعلاقات أكثر متانة مع أديس أبابا، موضحاً أن النظام الحاكم في جيبوتي، يعتمد بشكل أساسي في تكوينه السياسي والأمني ومصالحه الاقتصادية، على قبيلة “العيسى” الصومالية، التي لها امتدادات عميقة في إثيوبيا، بينما تتشكل معظم قوى المعارضة الجيبوتية، من قبيلة “العفر” وهي ذات امتداد واسع في إريتريا.
وفي ظل أزمة السلطة بين قبيلتي العيسى والعفر في جيبوتي، فضلاً عن الأزمات العرقية التي تصل إلى حد المناوشات المسلحة بينهما في إثيوبيا، فإن النخب الحاكمة في كلا البلدين تنحاز بشكل معلن لمطالب العيسى، مما يوفر إطاراً سياسياً لأديس أبابا وجيبوتي في هذا الشأن لأسباب تتعلق بالاقتصاد والأمن، يعزز فرص التحالف على خلاف الوضع في إريتريا.
الاتفاق الأخير بمطالب إثيوبيا الاستراتيجية المتعلقة بالحصول على منفذ بحري، وبالاستعدادات العسكرية لخوض حرب مفترضة، مشيراً إلى أن المطالب الإثيوبية حتى اللحظة الراهنة، تقتصر على الخيارات القانونية والسياسية، إذ أكد رئيس الوزراء آبي أحمد مراراً أن بلاده لا ترغب في إطلاق رصاصة واحدة ضد دول الجوار من أجل الحصول على منفذ بحري.