“السد يرفع الراية البيضاء أمام خط مصر الأحمر”
"السد يرفع الراية البيضاء أمام خط مصر الأحمر"
تتجه أزمة السد إلى محنى تنازلى بعد أن تذوقت ذروة التأزم طيلة الفترة الماضية،تلك الانفراجة الوشيكة لم تكن من قبيل المصادفة أو بتراخى الطبيعة التراكمية لذلك الملف،بينما جاء ذلك ردا على صعق الدبلوماسية المصرية لمتوالية التعنت الإثيوبى التى شكلت مسارا موازيا لمعادلة لتفاوض ،فى وقت كانت تستهدف فيه أديس أبابا إغلاق باب الحوار بشكل نهائى،ولكن تلك المحاولات الخبيثة باءت بالفشل فى ظل الجهود المصرية لإبقاء جسور التواصل ممتدة لتصل إلى عمق تلك الأزمة،مما أدى إلى سلوك مصر للطريق الدبلوماسى الذى يعد النطاق الأوعر الذى تتباطئ نتائجه ولكن دون خلل،مما يؤكد أن قواعد تحريك الأمن القومى المصرى لا تخضع للمؤثرات المناوئة أو المناورات التى تستهدف الاستقطاب الشعبى، فيؤمن بذلك هذا الملف بعيدا عن اللغة الانفعالية شكلا وموضوعا.
ذلك الفشل الذى اعترى مفاوضات السد خلال جلسة التفاوض الأخيرة بالشهر الماضى كان بمثابة الفرصة الأخيرة لأبي أحمد باتجاه وجود نوايا حقيقية للحل ،والتى استتبعت تداعيات التصعيد على الصعيد الدولى وفقا لإتاحة المجال أمام الدبلوماسية المصرية لشرح الجوانب الخفية لأبعاد أزمة السد،مما كان بمثابة صناعة أرضية خصبة توافقية تتسق مع منظور الحل المطروح من قبل القاهرة ،والتى كان لها الأثر البالغ بتبنى الخرطوم للمنهجية المصرية بعد ذلك الاجتماع الذى عقد بالقاهرة برئاسة الرئيس السيسى والوفد السوادنى،فكثف ذلك من انخراط السودان باتجاه زيادة الضغوط على أديس أبابا بشأن سد النهضة،وليس كما أراد أن يفعل أبي أحمد بتحويل مسار الأزمة إلى احتواء أزمة آخرى مثل التصعيد الحدودى الذى حدث بين الدولتين،بهدف خلق قواسم مشتركة بين الدولتين تفرض تنازلات من قبل المطالب السودانية بشأن السد ،فيرمى المخطط الإثيوبى من وراء ذلك إلى التأثير على الرؤية الجمعية للمرجعية المصرية لإظهارها كموقف آحادى.
فالشائعات التى تروج لها أديس أبابا بشأن ممانعة دولتى المصب للوصول إلى حل توافقى بشأن أزمة السد،تسعى من خلالها إلى فرض معطيات واهية بشأن الأمن المائى للقاهرة والخرطوم،بعد أن أصبح خط مصر الأحمر حجر عثرة تجاه عملية الملء الثانى للسد على الصعيد الدولى والإقليمى،فتحاول إثيوبيا فرض السد كسياسة أمر واقع بدلا من الحلول الأمنة المطروحة من قبل الدولة المصرية كسياسة واقعية موازية،فى وقت أصبحت فيه الدعوات الدولية لحلحلة القضية كاعتراف شرعى بالرؤية المصرية السودانية كحل وحيد لتلك الأزمة،فوضع بذلك الإستراتيجية الإثيوبية أمام حراك دولى وإقليمى يستهدف الحسم النهائى،ومن ثم تكثر مخاوف أبي أحمد من عرقلة الملء الثانى الذى سوف يحجم من مخاطره باتجاه دول المصب وفى نفس الوقت لا يحقق سقف طموحات المعسكر الخفى بتهديد أمن مصر المائى ،فيقتصر ذلك على استدارة هذا المشروع باتجاه البنية التنموية فقط لإثيوبيا التى تتشدق بها دائما.
حيث صرح المبعوث الإتحاد الأوروبى بيكا هافيستو على هامش زيارته إلى السودان. أن الدول الثلاث المعنية بأزمة السد يجب أن تتوصل إلى اتفاق ملزم خلال الفترة القادمة،محثا على ضرورة تبادل الخبرات والخرائط والمعلومات حول تشغيل وإدارة سد النهضة،مؤكدا على أهمية نزع فتيل الأزمة القائمة بين السودان و إثيوبيا بشأن الحدود وأزمة السد،فيما أعلن وزير الرى السودانى ياسر عباس لوكالة”فرانس برس” أن عملية الملء الثانى للسد تعد تهديدا مباشرا لأمن السودان دون اتفاق مبرم بشأن ذلك.
فيما صرح وزير الطاثة والمياه الإثيوبى شيلسى بيكيلى ، أن إثيوبيا تتفهم جيدا مخاوف السودان بشأن تأثير سد النهضة على منظومة السدود الخاصة، وكذلك رغبتها حول ضرورة التوصل إلى اتفاق قانونى ينظم تلك المهمة،معلنا عن وجود نية إثيوبية للاستجابة للمطالب السودانية بشكل كامل دون تردد،مفيدا أن جولة التفاوض بين الدول الثلاث قد أحرزت تقدما كبيرا بشكل يتنافى مع عقد اجتماعات تالية حول ذلك،متسائلا عن رغبة دول المصب فى التوصل إلى اتفاق إما لا!!،موضحا أن السودان متورط بجدلية مسار التفاوض بشأن تقديم أسباب مختلفة.
ومن هذا المنطلق يمكننا التأكيد على إثيوبيا بدأت تفرض أساليب التعقل نحو حيثيات أزمة السد،عبر كسر حدة تعنتها بمعالجتها لتلك القضية بعدما أصبحت إحدى القضايا الخلافية الجدلية على طاولة وأجندات المجتمع الدولى،من خلال إرساء قاعدة عكست نجاح القاهرة فى تعميق خطورة التحركات الإثيوبية عبر ترسيم خط أحمر وضع عين المعسكر الدولى باتجاه عملية الملء الثانى للسد،مما أدى إلى تحييد البنية التحتية التمهيدية لإطلاق الملء الثانى ،وسط دعاية إثيوبية رخيصة لإظهار أن البناء بالسد يسير على قدم وساق من أجل التهدئة الشعبية،التى تكبدت الملايين بهدف الاستفادة من عوائد الطاقة والازدهار الذى وعدت به حكومة أبي أحمد،مما يجعل المستقبل السياسى لأبي أحمد فى مهب الريح،وبالتالي يأتى هذا التراجع من قبل الإدارة الإثيوبية كنوع من مسك العصا من المنتصف لعدم العصف بنظام أبي أحمد، بعدما وضعت كثير من علامات الاستفهام حول تعامله مع إقليم تيجراى خلال الفترة الأخيرة ،وذلك التعتيم الذى شابه بشأن الأوضاع الإنسانية هناك،فرفع الراية البيضاء من أبي أحمد لسياسة التعنت الذى يفرضها تجاه السد نحو دولة السودان، تبرهن على أن تبنى الخرطوم لمنهجية مصر للحل جانبها الصواب دون أدنى شك،فى وقت رفعت الخرطوم من سقف طموحها كما جاء على لسان وزير الدفاع السودانى الفريق ياسين إبراهيم بشأن رغبة بلاده فى إدارة مشتركة للسد مع أديس أبابا.
فاعتراف نظام أبي أحمد بوجود حقوق سودانية بشأن إبرام اتفاق ثنائى يعد بلورة حقيقية لاستسلام إثيوبيا أمام حرب النفس الطويلة،كما أنه يعد نجاحا تكلل به خط مصر الأحمر،وذلك لأن انفتاح إدارة أبي أحمد على مفاهيم الحل وإن كان مع أحد أطراف الأزمة ،يؤكد وجود مسؤولية إلزامية لأديس أبابا أمام المجتمع الدولى جراء تهديد دول المصب بشكل كامل وليس فقط إثيوبيا،لأن حركة تهديد الأمن المائى لدول المصب ليست لها ذراع للتحكم فيها ضد دولة دون آخرى!!،وبهذا تصبح لغة المرونة التى تتحدث بها إثيوبيا حاليا مجالا للانخراط المستقبلى الجبرى بمنهجية مصر للحل بشكل يحفظ الأمن القومى المصرى المائى،سواء كان ذلك قسرا أو طواعية من قبل أبي أحمد.