بعد اكتمال بناء سد النهضة وتحركات مصر بالصومال
بعد اكتمال بناء سد النهضة وتحركات مصر بالصومال
بدأ العمل بسد النهضة في عام 2011 بتكلفة 4 مليارات دولار
وسط “صمت رسمي مصري سوداني”، أعلنت إثيوبيا، الثلاثاء الماضي، انتهاء أعمال البناء الخرساني لسد النهضة، والانتقال لمرحلة التشغيل.
ويطرح ذلك تساؤلات حول الإعلان الإثيوبي، وصمت القاهرة والخرطوم، وعلاقة تلك التطورات بالتحركات العسكرية المصرية في الصومال مؤخرا.
ماذا يعني الإعلان الإثيوبي؟
بدأ العمل بسد النهضة في عام 2011 بتكلفة 4 مليارات دولار، وهو يعد أكبر سد للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، إذ يبلغ عرضه 1.8 كيلومتر وارتفاعه 145 مترا.
وتتوقع إثيوبيا أن ينتج عندما يعمل بكامل طاقته 5000 ميجاواط، وهو ضعف الإنتاج الحالي للبلاد، مع سعة تخزين إجمالية تبلغ 74 مليار متر مكعب.
ويوضح أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، أن الإعلان الإثيوبي يعني “انتهاء أعمال البناء السد الخرسانية بنسبة 99.5 بالمئة، بينما البحيرة الخاصة بالسد مكتملة من ناحية تخزين المياه”.
وسوف تكمل إثيوبيا التخزين “النهائي” للمياه حتى الأسبوع الثاني من سبتمبر، وبالتالي يكون “السد اكتمل نهائيا” بسعة تفوق الـ 64 مليار متر مكعب.
ومن جانبه، يوضح الكاتب والمحلل السياسي الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد حسن، أن حديث إثيوبيا عن انتهاء أعمال بناء سد النهضة والانتقال لمرحلة التشغيل أمر “واقع وحقيقي”.
والسد في التعبئة الثالثة تمكن من حجز أكثر من 60 مليار متر مكعب قبل الوقت المفترض بسبب طول موسم الأمطار الذي بدأ مبكرا وبكمية فوق المتوسط، ما سمح باحتجاز هذه الكمية، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
وفي سياق متصل، يشير النائب بالبرلمان الإثيوبي، محمد العروسي، إلى أن “إثيوبيا حققت نجاحا منقطع النظير بعد الانتهاء من أعمال بناء سد النهضة”.
ويعني ذلك الإعلان الإثيوبي بطلان “الادعاءات الكاذبة” التي صاحبت المشروع وتوقعت فشله”.
ويشدد على أن السد هدفه التنمية وتحقيق النهضة للدولة الإثيوبية وإخراجها من الفقر، وتوليد الطاقة لشريحة واسعة من الشعب الإثيوبي تعيش بلا كهرباء في ظل وفرة المياه والأمطار “التي تكفي الجميع”.
ماذا بعد “انتهاء أعمال البناء”؟
أعلنت إثيوبيا، أنها قامت بتشغيل توربينين جديدين على سد النهضة الكبير ما يتيح لها مضاعفة إنتاجها من الكهرباء بفضل هذا السد الضخم الذي بنته على نهر النيل وشكل مصدرا للتوتر مع جيرانها، وخصوصا مصر.
وأوضحت الهيئة المسؤولة عن تشغيل السد أن “التوربينين اللذين يولدان 400 ميجاواط لكل منهما بدأ تشغيلهما الآن، بالإضافة إلى توربينين يولدان 375 ميغاواط لكل منهما، ليرتفع إجمالي الإنتاج إلى 1550 ميجاواط”.
وقالت الهيئة إن “مفيضات السد تصرف 2800 متر مكعب في الثانية من المياه الإضافية باتجاه دول المصب”.
وتم تشغيل أول توربينين، من إجمالي 13 توربينا من المخطط أن توضع على السد، في فبراير وأغسطس 2022.
ومن جانبه، يشير شراقي إلى أنه في حال عمل 4 توربينات وتشغيلها سيتم “تمرير كمية من المياه” سيصل جزء منها إلى مصر على مدار شهور.
ولكن إذا كان تشغيل التوربينات “ضعيف” فعلى إثيوبيا “تفريغ المياه مرة أخرى”، قبل موسم المطر القادم في مايو 2025، وإلا سوف “ينهار سد النهضة”، حسبما يوضح أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية.
ويؤكد شراقي أن “الهدف الرئيس من سد النهضة هو توليد الكهرباء عبر 13 توربينا، بينما تم تركيب 4 توربينات فقط بالسد حتى الآن”.
وتركيب باقي التوربينات قد يستغرق سنوات، ولكن إذا استطاعت إثيوبيا توليد الكهرباء خلال الشهور القادمة، فسيكون ذلك فائدة لهم وستصل مياه لمصر، ولكن إذا لم يحدث ذلك فعليها “فتح البوابات” قبل موسم الأمطار القادم، لتفريغ المياه بالبحيرة، وفق أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية.
ما وراء “الصمت الرسمي المصري”؟
تعتبر مصر سد النهضة تهديدا وجوديا وتؤكد على حقها التاريخي في مياه النيل إذ تعتمد عليه في 97 في المئة من احتياجاتها المائية، وخلال الأعوام الأربعة الماضية كانت القاهرة تصدر بيانات تطالب أديس أبابا بالعودة للتفاوض والتوصل إلى حل توافقي.
لكن القاهرة التزمت رسميا “الصمت” بعد الإعلان الإثيوبي عن اكتمال أعمال بناء سدالنهصه والانتقال لمرحله التشغيل وقبل ذلك على المل الخامس لسد النهصه
ومن جانبه، يرجع مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عماد جاد، “الصمت الرسمي المصري” إلى أن مصر أخطأت من البداية بتوقيعها “إعلان المبادئ”.
ووقعت مصر “إعلان المبادئ” الذي مكن إثيوبيا من الحصول على تمويلات كافية لبناء السد، لكن القاهرة لم تحصل على “ضمانات كافية” حول التفاوض والوساطة والتحكيم الدولي في حالة الخلاف“.
وتقوم إثيوبيا ومصر والسودان بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق اتفاق إعلان المبادئ، بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقا لمبدأ حسن النوايا.
وإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/رئيس الحكومة، وفق المادة العاشرة من “إعلان المبادئ بخصوص سد النهضة” الموقع في 23 مارس 2015.
ويشير جاد إلى أن “مصر احتجت واعترضت ورفضت أكثر من مرة عند كل ملء لسد النهضة، حتى باتت أمام (أمر واقع) باكتمال بناء السد”.
ومن جانبه، يرى الباحث بشؤون الشرق الأوسط، فادي عيد، أن مصر “التزمت الصمت الرسمي”، لكنها ردت بشكل فعلي على أرض الواقع بإرسال “معدات عسكرية وأسلحة مصرية إلى الصومال”.
وإرسال الأسلحة والمعدات العسكرية المصرية بمثابة رسالة مباشرة لإثيوبيا، بأن “مصر موجودة على الحدود الإثيوبية، وفي حال الإضرار بمصالحها، فهي جاهزة للرد”.
وأرسلت مصر “طائرتين عسكريتين إلى الصومال، محملتين بأسلحة وذخيرة”، بعدما وقعت في وقت سابق من هذا الشهر، بروتوكول “تعاون عسكري” مع مقديشو، لكن القاهرة “لم تدل بتعليق علني”، بهذا الشأن.
وتعززت العلاقات بين مصر والصومال هذا العام بعد أن وقعت إثيوبيا اتفاقا مبدئيا مع منطقة أرض الصومال الانفصالية لاستئجار منفذ ساحلي مقابل اعتراف محتمل باستقلالها عن الصومال.
ووصفت حكومة مقديشو الاتفاق بأنه تعد على سيادتها وقالت إنها ستعرقله بكل الطرق الممكنة، بينما القاهرة على خلاف مع أديس أبابا منذ سنوات بسبب بناء إثيوبيا لسد النهضة.
ما موقف السودان؟
في السنوات الأخيرة “تقلبت” موقف السودان تجاه سد النهضة، فقد احتج على المشروع سابقا وقال إنه يهدد إمداداته من مياه النيل.
وفي يناير 2023، قال قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إنه وافق “على جميع النقاط” مع رئيس الوزراء الإثيوبي، أبيي أحمد، بشأن السد.
ولكن السودان شهد بعدها حربا أهلية ما زالت مستعرة، ولم يعلق رسميا على الإعلان الإثيوبي.
ومن جانبه، يشير الخبير الاستراتيجي السوداني، اللواء أمين مجذوب، إلى أن إثيوبيا “تستغل الظرف الذي تمر به السودان”، لاستكمال بناء سد النهضة دون وجود “أي اتفاق رسمي ملزم”.
و”الخلاف” بين السودان ومصر وإثيوبيا حول سد النهضة قد خرج من “العباءة الفنية إلى السياسية”، وموقف الخرطوم “قريب من الموقف المصري”، ويطالب بـ”اتفاق ملزم وتبادل المعلومات بشأن تشغيل السد”.
ما التأثير المتوقع على مصر والسودان؟
يشدد شراقي على أن “نهر النيل بمثابة شريان حياة للمصريين، ولا يجوز لإثيوبيا التصرف بشأنه وكأنه نهر إثيوبي”.
وحصة مصر من مياه النيل “تأثرت وتضررت” بالفعل بتخزين إثيوبيا 23 مليار متر مكعب بسد النهضة هذا العام، ما يمثل “نصف الحصة المصرية”، وفق أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية.
ولولا وجود السد العالي لكانت “الأضرار على مصر أكبر بكثير، ولم يجد المصريون وقتها مياه للشرب أو الزراعة”، حسبما يضيف شراقي.
وتسبب سد النهضة بالفعل في “خسائر اقتصادية لمصر”، بعدما اضطرت لمعالجة مياه الصرف الزراعي وتدشين مئات المحطات من أجل ذلك، بينما معالجة المليار متر مكعب منها يكلف الدولة 15 مليار جنيه، وفق أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية.
وفي سياق متصل، يشير مجذوب إلى أن “تصريف المياه لتوليد الكهرباء مشكلة كبيرة جدا، ويؤثر على الأمن المائي لمصر والسودان”.
وسيكون لسد النهضة “تأثير موسمي” على السودان، وعندما ينتهي موسم الفيضان سيكون هناك “استقرار في تدفقات المياه” بكميات قليلة، وفق الخبير الاستراتيجي السوداني.
ويتحدث عن أهمية وجود “تأمين وإجراءات احترازية تجنبا لحدوث أي انهيارات للسد في المستقبل”.
وسوف يؤثر السد على “حصص مصر من المياه”، ما يعني تضرر الزراعة وربما المشاريع التي قامت بها مصر خلال السنوات الماضية، حسبما يوضح مجذوب.
لكن على جانب آخر، يؤكد العروسي أن “التنمية” هي هدف إثيوبيا الحقيقي من بناء سد النهضة وليس “الإضرار بمصر والسودان بحبس المياه وقطعها عنهم وتعريضهم للغرق والعطش”.
وسد النهضة لن يؤثر على مصر والسودان لكنه “ينظم عملية تدفق المياه، ويخفف من وطأة الفيضانات المدمرة على السودان، ويطيل عمر السد العالي بتخفيف الضغط المائي عليه”، حسبما يؤكد النائب البرلماني الإثيوبي.
وفي سياق متصل، يؤكد حسن أن تشغل سد النهضة لن يكون له “تأثير يذكر” على السودان ومصر،
ويتحدث عن “صحة الموقف الإثيوبي، وعدم صحة الادعاءات التي تحدث عنها الأشقاء في مصر”، على حد تعبيره.
تصعيد بمنطقة “القرن الأفريقي”؟
أثار النزاع بين مقديشو وأديس أبابا مخاوف كبرى بشأن استقرار منطقة القرن الأفريقي وقد دعت دول ومنظمات دولية عدة إلى احترام سيادة الصومال.
وتعززت تلك المخاوف بعد إرسال القاهرة مساعدات عسكرية إلى البلد الغارق في الفوضى بسبب هجمات حركة الشباب “المصنفة إرهابية لدى الولايات المتحدة ودول أخرى”، وسط تحذير إثيوبي من “تفاقم التوترات في القرن الأفريقي”.
ووصف سفير الصومال في مصر، علي عبدي، شحنة المعدات العسكرية التي أرسلتها القاهرة إلى بلاده بأنها “كبيرة”، دون مزيد من التفاصيل.
وبحسب بيان نشرته وسائل إعلام محلية، فإن مصر ستكون أول دولة تنشر قوات في الصومال بعد انسحاب البعثة الإفريقية الحالية “أتميس”.
ومن جانبه، لا يتوقع العروسي “أي تصعيد من مصر أو السودان تجاه إثيوبيا”.
ويقول:” لا توجد أي حاجة أو داعي لذلك، وفي كل الأحوال إثيوبيا مشغولة بالتنمية”.
والتصعيد لن يخدم أي طرف، والحل الأمثل هو “التعاون والقبول بالأمر الواقع، والتنمية والنهضة لإثيوبيا ودول الجوار”، وفق النائب البرلماني الإثيوبي.
ويتفق معه حسن الذي يؤكد “عدم وجود سبيل لحل الأزمة سوي بالعودة لاستكمال المفاوضات من حيث توقفت وصولا لاتفاقية ترضى جميع الأطراف ويكون الكل كاسبا ومستفيدا”.
ويرى المحلل السياسي الإثيوبي أن “السياسة المصرية قائمة على رده فعل فيما يتعلق بإثيوبيا”.
وإرسال مصر لمعدات عسكرية للصومال هو ردة فعل لـ”موضوع سد النهضة، وتوقيع جنوب السودان اتفاقية عنتيبي، وتوقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا و(أرض الصومال)”، وفق حسن.
وفي 8 يوليو صادقت دولة جنوب السودان على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل، المعروفة إعلاميا باسم “اتفاقية عنتيبي”.
وفي 14 مايو 2010 وقعت دول إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل، ثم انضمت كينيا وبوروندي إلى الاتفاقية لاحقا.
وتعارض مصر والسودان اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل، وتتمسكان باتفاقيات 1902 و1929 و1959 التي ترفض الإضرار بدول المصب، كما تقر نسبة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان.
وفي الوقت ذاته يستعبد حسن حدوث “أي تصعيد بمنطقة القرن الأفريقي خلال الفترة القادمة”.
ويشير المحلل السياسي الإثيوبي إلى أن “كل ما عدا (التفاوض) هو مضيعة للوقت والجهد والمال”.
لكنه يقول أيضا:” إذا حدث أي أمر فإثيوبيا مستعدة لاتخاذ الخطوات المناسبة”.
ومن جهته، يرى مجذوب أن “الردود القانونية والشكاوى للجهات الأممية هي الطريقة الوحيدة المتاحة لحل الأزمة، وكذلك العودة للتفاوض بين إثيوبيا ومصر والسودان”.
وفيما يتعلق بـ”سيناريوهات الرد العنيف، فهي غير متوفر، لأن المنطقة مشتعلة بالفعل”، حسبما يشير الخبير الاستراتيجي السوداني.
وتوجد حرب دائرة حاليا السودان وفيها ما يكفيها، ومصر تدخل في مشروعات اقتصادية كبيرة وبالتالي “أي عمل عسكري” سيؤثر عليها بشكل كبير، حسبما يوضح مجذوب.
وعلى جانب آخر، لا يستعبد عيد حدوث “تصعيد” بمنطقة القرن الأفريقي، باعتبار سد النهضة “مسألة تهدد الأمن القومي المصري”.
والتحرك المصري الأخير في الصومال، قد يقابله “رد فعل من إثيوبيا”، والأيام القادمة سوف تكشف مدى احتمالية وقوع “تصعيد” بين الجانبين، وفق الباحث بشؤون الشرق الأوسط.