لم تكن تعلم رانيا رمضان ماضي، صاحبة الـ(23 عامًا)، أنّ حلمها الذي لطالما حلمت به سيتحقق ولكن دون أن تكون فيه، فلقد سهرت الليالي تحلم برؤية ابنها وانتظرته بفارغ الصبر، لدرجة أنّها اشترت ملابسه كما أحضرت ملابس جديدة لها لترتديها يوم الولادة ويوم السبوع، بنت قصورًا في أحلامها حول طفلها الصغير، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث أُصيبت بفيروس كورونا في آخر أيام حملها وعندما ساءت حالتها دخلت إلى مستشفى التأمين الصحي، وظلت هناك عدة أيام حتى وضعت طفلها الصغير ولم يمهلها القدر قليلًا لتراه فتدهورت حالتها وماتت بعد ثلاثة أيام من ولادته.
لم يستفق والد «رانيا»، من صدمته في وفاة ابنته الكبرى، إلا وحلت به مصيبة أخرى أكبر، حيث جاء زوج ابنته إليه وترك طفلته «رزان» (5 أعوام)، وأخبرهم أنّه لا يريد الطفلين لأنّه خطب وسيتزوج، وغادر ولم يرى طفله وطفلته سوى مرة واحدة في عيد الأضحى، ولم يأت لهما أو يرسل لهما أموالًا سواء لألبان وحفاضات الرضيع أو لإلحاق ابنته بالحضانة.
وقال والد «رانيا»إنّ ابنته كانت جميلة شكلًا وطبعًا ومحبوبة من أهل القرية بالكامل، وفرحت كثيرًا عندما علمت بحملها في ولد، فغيرت اسم صفحتها الشخصية على «فيسبوك»، باسم «آدم»، لذلك أسموه مثلما كانت تتمنى ولم يغيروا اسمه، موضحًا أنّ ابنته كانت تستعد للولادة وحضرت أموال الولادة وملابسها وملابس طفلها والحفاضات حتى الكريم والزيت الخاص بالحفاضات، ولكنها لم تتهنى بهم.
ولفت والد «رانيا” أنّ شقيقة زوج ابنته أصيبت بفيروس كورونا فطردها زوجها وحضرت إلى منزل أهلها فقام زوج ابنته بإجبار زوجته على عمل الغداء لشقيقته رغم علمهم بإصابتها بالفيروس وعزم شقيقته على الغداء وعندما حضرت إليهم سلّمت على ابنته وحضنتها وقبلتها، وفي اليوم التالي شعرت «رانيا» بإعياء وارتفعت درجة حرارتها بشكل كبير وعندما ذهبوا بها إلى الطبيبة أخبرتهم أنّها كورونا وحوّلتها إلى العزل بمستشفى التأمين الصحي.
وأكدّ أنّ الحالة الصحية لابنته كانت تتحسن ولكن بسبب إهمال زوجها له وعدم حضوره لرؤيتها أو حتى الاتصال عليها أصابها بحالة نفسية سيئة وإحباط فتدهورت حالتها الصحية، واستدعاهم الأطباء وطلب منهم التوقيع على إقرار بحالتها الطبية وبأنّه سيتم إجراء الولادة لها رغم وجود خطورة على حالتها ولكن لا يمكن الانتظار أكثر من ذلك، وبالفعل وضعت رانيا وتم إدخال المولود «آدم» للحضانة، وعمل الفحوصات الطبية اللازمة وعندما تبيّن أنّه بصحة جيدة ولم تنتقل العدوى إليه رفض والده أخذه قائلًا «مين اللي هيشيله ولا يغيرله خليه عندكم»، وبالفعل أخذته جدته لأمه وذهبت به إلى المنزل.
وتابع أنّه بعد مرور ثلاثة أيام على ولادة الطفل فوجئ في السادسة صباحًا باتصال هاتفي من المستشفى يخبره بوفاة ابنته فهرعوا إلى المستشفى وتم السماح لهم برؤيتها في ثلاجة الموتى، ولكن زوجها رفض الدخول لرؤيتها خوفًا من العدوى، وبعدما توفيت لم يسأل عن ابنه سوى مرة واحدة أحضر فيها «علبة بامبرز» ولم تتكرر مرة أخرى، وفوجئوا أنّه خطب وتزوّج بعد مرور 5 أشهر على وفاتها، ورفض إرسال أي أموال لتساعدهم في الإنفاق على ابنه وابنته، فاضطروا لرفع قضية نفقة من أجل الحصول على مستحقات الطفلين الذين لا حول لهما ولا قوة.
وكشف أنّ أصعب وقت مر عليهم كان في الثلاثة أشهر الأولى من عمر آدم، حيث كان لا ينام ليلًا ولا نهارًا وكانت جدته تتعرض لإغماء بسبب السهر وندرة النوم، بالإضافة إلى صدمتهما في وفاة ابنتهما فكانا غير قادرين على تقسيم أوقاتهما بعد ذلك أصبحا يتقاسمان الوقت فيما بين زوجته وابنته «جنة» الطالبة بالصف الثاني الإعدادي وهو فتتولى زوجته مسؤولية آدم منذ الصباح حتى عودة «جنة» من المدرسة ثم تتولى ابنته الصغيرة مسؤوليته عقب المدرسة والدرس حتى المساء، فيما يتولى هو وقت السهرة حتى الفجر، ثم يوقظ زوجته لتحمل الطفل بينما هو ينام عدة ساعات ليستيقظ إلى عمله كسائق في إحدى شركات المواد الغذائية صباح اليوم التالي.
ونوّه إلى أنّ اغبنته قبل وفاتها أوصته بالاهتمام بشقيقتها «جنة» وأن يهتم بدراستها ولا يشغلها بشئ، وكأنها كانت تشعر أنّ «جنة» ستصبح أمًا وهي في سن صغيرة دون أن تنجب حيث تولت هي مسؤولية «آدم» و«رزان» فهي تُغير لآدم الحفاضات وتُعد له «الرضعة» وتجلس به أكثر من ثماني ساعات يوميًا، كما أنّها تُذاكر الدروس لـ«رزان» لتساعدها في أن تكون متوفقة، ورغم ذلك فقد حصلت على المرتبة الرابعة بين طلاب مدرستها العام الماضي.