يجتهد المسلمون بكل بقاع الأرض في نيل الثواب الكبير الذي وعد الله تعالى به عباده خلال رمضان، وفي العشر الأواخر من هذا الشهر المبارك تتشوَّق أنفسهم إلى إصابة ليلة القدر والفوز بأجرها الذي هو خير من ألف شهر.
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحري ليلة القدر قوله: “مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُلْتَمِساً لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَلْيَلْتَمِسْهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ وِتْراً”.
كما ثبت عنه، صلى الله عليه وسلم، قوله: “مَن قام ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه”.
والدعاء الثابت في هذه الليلة المباركة، حسبما أوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، ما ورد عن السيدة عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، قَالَت: “قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ، تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي”.
وذكر المركز، في شرح الحديث، أن من أسماء الله تعالى “العَفُوُّ”، وهو صفة من صفاته سبحانه، ففي القرآن الكريم: “وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً”، لذا جاء في دعاء ليلة القدر.
ولفت إلى أن العفو يأتي بمعنى المحو والإزالة، فعلى هذا المعنى يكون العفو في حقِّ الله تعالى عبارة عن إزالة آثار الذنوب بالكلية، كما يأتي العفو بمعنى الفضل كذلك، وعليه يكون العفو في حق الله تعالى بمعنى أنه يعطي الكثير، ويهب الفضل.
ولما كان شرف ليلة القدر وفضيلتها من الأمور التي أعلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وحثّهم على اغتنامها، فقد حرصت أم المؤمين عائشة رضي الله عنها على سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا تدعو في هذه الليلة، فأرشدها إلى أن تدعو بهذا الدُّعاء.
قال الإمام البيهقي رحمه الله: “وطلب العفو من الله مستحب في جميع الأوقات، وهو أخص في هذه الليلة، لذا حريٌّ بالعبد المسلم أن يتأسى بأم المؤمنين في حرصها على ما ينفعها وأن يسأل الله العفو، ويدعوه بهذا الدعاء.
وحريٌّ به أيضاً يكون له حظٌّ من التخلق بالعفو؛ إذ العفو من الأمور التي يحبها الله كما أخبر الحديث، فإذا عفا العبد عمن ظلمه، وسامح من أساء إليه، فإن الله سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين، يفعل ذلك معه أيضاً منَّةً وفضلاً منهُ سبحانه، فيعفو عنه، ويتجاوز عن سيئاته”.
ويستحب للمسلم أن يكثر من الدعاء في هذه الليالي العظيمة، ويدعو بما شاء من الدعوات الطيبات، وخاصة الأدعية المأثورة والجامعة.
ومن الأدعية المأثورة عن النبي، صلى الله عليه وسلم:
• اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ، والجُبْنِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ، وغَلَبَةِ الرِّجال.
• رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ.
• اللهمَّ إني أسألُك العفوَ والعافيةَ، في الدنيا والآخرةِ، اللهمَّ إني أسألُك العفوَ والعافيةَ، في دِيني ودنيايَ وأهلي ومالي، اللهمَّ استُرْ عوراتي، وآمِنْ روعاتي، واحفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذُ بك أن أُغْتَالَ من تحتي.
• يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
• اللَّهمَّ رحمتَك أَرجو فلا تَكِلني إلى نَفسِي طرفةَ عينٍ، وأصلِح لي شَأني كلَّه لا إلَه إلَّا أنتَ.