قصة المدينة المصرية التي حاولت أمريكا السيطرة عليها
قصة المدينة المصرية التي حاولت أمريكا السيطرة عليها
قاعدة برنيس، أكبر قاعدة عسكرية بمنطقة البحر الأحمر»، كان هذا هو العنوان الأبرز في الصحف المصرية الصادرة في صباح أحد أيام شهر يناير من العام الماضي.
أصبحت هذه المدينة التي هجرها أهلها منذ سنوات بعيدة، مقرا لثاني أكبر قاعدة عسكرية في مصر، بعد قاعدة محمد نجيب في صحراء مصر الغربية.
تبعد منطقة برنيس، التي تقع ضمن الحدود الجغرافية لمدينة مرسى علم قرابة 140 كيلومترا من قلب مدينة مرسى علم، فى الاتجاه الجنوبي للبحر الأحمر.
وانتشرت العديد من النظريات حول أصل اسم مدينة “برنيس”، حيث يرى بعض الخبراء أنها نسبة إلى الملكة “برنيقيه” أم الملك بطليموس الثانى، حتى حرفت إلى برنيس.
وفيما يرى آخرون أن هذه المدينة كانت تسمى “ميناء أهل الكهوف” وفق تعبير اليونانيين، وأطلق عليها في العصر البطلمي “برنيس الذهبية”.
ولطبيعة المنطقة الأثرية، شهدت في عام 1994 بعثة أثرية تضم نخبة من كبار علماء الآثار، أجرت عمليات حفريات في المنطقة.
وكشف موقع “كامبردج” المهتم بالاكتشافات الأثرية عن نتيجة هذه الحفريات، التي كانت تسعى إلى سبر أغوار تاريخ هذه المنطقة المجهولة.
وخلصت هذه الحفريات إلى معرفة سبب هلاك مدينة برنيس المصرية القديمة، التي تأسست بين 275 و260 قبل الميلاد، بعد أن هجرها أهلها في سنوات 220-200.
وأشار موقع “كامبردج” إلى أن علماء من بولندا والولايات المتحدة اكتشفوا مؤخرا بئرا داخل أحد المباني، كانت لا تزال تحتوي على الماء، وكان طعمها جيدا، وإن كان مالحا بعض الشيء.
وأضاف الموقع أنه عندما بدأ علماء الآثار في التنقيب عن مصدر الماء، وجدوا طبقات من الرمال على عمق كبير، ووجدوا عدة عملات معدنية صنعت قبل مئتي عام من عصرنا.
وظلت الأسباب التي دفعت سكان برنيس إلى الفرار مجهولة لفترة طويلة، حتى استنتج العلماء أن الجفاف ضرب المنطقة في ذلك الوقت، ما تسبب في جفاف البئر.وهو ما دفع السكان إلى مغادرة تلك المدينة التي سكنوها لسنوات طويلة، والتي كانت تمتلك قديما أكبر ميناء تجاريا عام 275 قبل الميلاد، كما أقيمت بها أول مراكز للتدريب الحربي منذ زمان بعيد.
ويبدو أن أمريكا رغبت في تقليد الفكرة التي نفذها المصريون القدماء منذ مئات السنين في برنيس، حيث أيقنت الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة، وهو ما دفعها للتفاوض مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات لبناء قاعدة عسكرية أمريكية بها.وكان السر وراء اختيار وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” برنيس لبناء القاعدة العسكرية الأمريكية بها، هو أن الحسابات التي أجراها تؤكد أن المنطقة هي أقرب القواعد الأمريكية لمسرح العمليات في الشرق الأوسط.
حيث كشفت الدراسات أن انتقال القوات الأمريكية من قواعدها في أمريكا، إلى الشرق الأوسط يستغرق 77 يوما، ومن قاعدة موباسا في كينيا سيستغرق الوقت 22 يوما.
كما أكدت أن تحركها من قاعدة أزمير في تركيا سيستغرق 17 يوما، أما من قاعدة “برنيس” في مصر فلن تستغرق سوى 10 أيام فقط.وأشارت هذه الحسابات إلى أن تكلفة إقامة قاعدة في “برنيس” تعادل نصف التكلفة التي ستقام فيها قاعدة في تركيا، وثلث تكلفة إنشاء قواعد أخرى، وسيتكلف نقل المعدات والأفراد والجنود إليها سدس تكلفة النقل لأي قاعدة أخرى في العالم.وذكرت عدة مصادر تاريخية، أن وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، كاسبر واينبرغر، أكد أن بناء قاعدة عسكرية أمريكية في “برنيس” هو الحل الأمثل.
إلا أن الرئيس الراحل أنور السادات، رفض طلب الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، على الرغم من تعهده بعدم استخدام القاعدة إلا في حالة تعرض مصر وأمريكا لخطر مشترك.
وبعد وفاة السادات، أعاد ريجان تقديم الطلب نفسه للرئيس الراحل محمد حسني مبارك، والذي رفض وبإصرار شديد وجود أي قواعد أجنبية في مصر.
واستغل الرئيس السيسي هذه المنطقة الاستغلال الأمثل، حيث أنشأ بها قاعدة برنيس البحرية، التي تعد الأكبر في منطقة البحر الأحمر.
حيث أقيمت القاعدة على مساحة 150 ألف فدان وتضم قاعدة بحرية وقاعدة جوية ومستشفى عسكري وعدد من الوحدات القتالية والإدارية وميادين للرماية والتدريب لجميع الأسلحةكما تضم القاعدة رصيفاً تجارياً بطول 1200 متر وعمق 17 متراً ويشمل مبانى إدارية وخدمية ومحطة استقبال ركاب وأرصفة متعددة الأغراض، وأرصفة لتخزين البضائع العامة، وساحات تخزين الحاويات.
بالإضافة إلى مطار برنيس الدولي ومحطة لتحلية مياه البحر، وشبكة متكاملة من الطرق الرئيسية.