تدخل عربة المترو في هدوء كأي راكب يتلهف على كرسي شاغر، مرتدية جلباب أسود وطرحة لونها أحمر داكن، وتلف قدمها بأكياس بلاستيك وقطعة قماش بالية في إشارة إلى أنها مصابة، وما أن تهدأ حركة المارة ويغلق المترو أبوابه ويستقر كل الركاب في أماكنهم إما جلوسًا أو وقوفًا، تبدأ في سرد قصة خيالية تبدو من كلماتها وأداءها المفتعل أنها وهمية.زحام المترو وضجيج الركاب ونداءات الباعة الجائلين الذين يتسللون إلى العربات خلسة، لا يؤثر على صوت السيدة الجهوري، الذي يعلو فوق أي صوت، في البداية تبدو وكأنها تحدث سيدة إلى جوارها تحكي عن خيانة زوجها لها، عندما خرجت من المستشفى ووجدته في أحضان صديقتها، ثم يعلو صوتها عمدا ليصل إلى مسامع كل ركاب العربة، فيلتفتون إليها وينصتون إلى روايتها.مشهد تمثيلي هدفه التسول
وتقول السيدة وكأنها تنصح الركاب من السيدات: «اوعى تآمني لجوزك، اوعى تثقي في واحدة صاحبتك، إحنا في زمن وحش مفهوش أمان، جوزي رماني في المستشفى وأنا تعبانة ورجلي مفتوحة وكانوا هيقطعوها، راح اتجوز صاحبتي وعيالي رماهم في البيت والجيران لقوهم من غير أب وأم فودوهم ملجأ، أول ما خرجت من المسشتفى رحت جبت عيالي ورجعتهم في حضني وأجرت أوضة بـ150 جنيهًا في الشهر».من هنا انتقلت حكاية السيدة إلى مغزاها الحقيقي بقولها: «صاحب الأوضة عايز يطردنا علشان اتكسر علينا الإيجار، محتاجة أدفع له شهر بس عشان ماترميش في الشارع أنا وعيالي»، وما أن توقفت لتلتقط أنفاسها وتمسح الدموع التي انسالت على خدها، حتى بدأ الجميع يفرغ ما في جيبه من عملات فئة الخمس والعشر جنيهات، وفي غضون دقيقة أو أكثر بقليل كان المبلغ المراد اكتمل وهو 150 جنيهًا.
العرض الثاني للمشهد في عربة أخرى
تتبعت سيدة المترو، بعد أن قبضت على مبلغ الـ150 جنيهًا، وأخفته في طيات ملابسها، نزلت في أول محطة على خط المرج – حلوان، ولم تتجه إلى بوابة الخروج بل وقفت منتظرة القطار التالي، وداخله تكرر نفس المشهد بكل تفاصيله، وخرجت من العربة وهي تحاول اخفاء الـ150 جنيها الأخرى التي حصلت عليها بعد أن أدت مشهدًا تمثيليًا، اعتقد الركاب أنه حقيقي.جهاد محمد، أحد ركاب المترو الذين صادفوا تلك السيدة، تابعت المشهد التمثيلي وهي تحاول إخفاء ضحكاتها، مؤكدة أنها لم تقتنع بحاجة السيدة إلى المال: «من الوهلة الأولى كنت متأكدة إنها بتمثل، دي طريقة لجأ إليها المتسولون بدل الطريقة العادية اللى مبقتش تجيب معاهم».
وأشارت إلى أن السيدة روت حكاية تبدو غير منطقية، متسائلة: «إزاى الجيران بعتوا ولادها لملجأ، وإزاى دور الرعاية خدت طفلين أبوهم وأمهم على قيد الحياة،الموضوع باين قوى بس أداء الست خلى الناس تعاطفت معاها».